للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَضَالَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بَنِيَّ لَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا الْأَتْقِيَاءُ وَشَاوِرْ فِي أَمْرِكَ الْعُلَمَاءَ.

وَهَذَا مَجْمُوعُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنَ الْآثَارِ كَثِيرًا لَمْ يَرْوِهَا كَمَا أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا العبَّاس بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: خَيَّرَ اللَّهُ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ فَاخْتَارَ الْحِكْمَةَ عَلَى النُّبُوَّةِ.

قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ نَائِمٌ فذرَّ عَلَيْهِ الْحِكْمَةَ قَالَ فَأَصْبَحَ يَنْطِقُ بِهَا.

قَالَ سعد سمعت قَتَادَةَ يَقُولُ: قِيلَ لِلُقْمَانَ كَيْفَ اخْتَرْتَ الْحِكْمَةَ عَلَى النُّبُوَّةِ وَقَدْ خَيَّرَكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ أُرْسِلَ إِلَيَّ بِالنُّبُوَّةِ عَزْمَةً (١) لَرَجَوْتُ فِيهِ الْفَوْزَ مِنْهُ (٢) ، وَلَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَقُومَ بِهَا وَلَكِنْ خَيَّرَنِي فَخِفْتُ أَنْ أَضْعُفَ عَنِ النُّبُوَّةِ فَكَانَتِ الْحِكْمَةُ أَحَبَّ إِلَيَّ.

وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَالَّذِي رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) قال يعني الفقه والإسلام وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ.

وَهَكَذَا نصَّ عَلَى هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ (٣) مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَابْنُ عبَّاس وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ.

إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ.

وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ.

وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يومئذ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ على كل شئ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [الْبُرُوجِ: ١ - ١٠] .

قَدْ تكلَّمنا عَلَى ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي تفسيره هَذِهِ السُّورَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَقَدْ زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّهُمْ كَانُوا بَعْدَ مَبْعَثِ الْمَسِيحِ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ هَذَا الصَّنِيعَ مُكَرَّرٌ فِي الْعَالَمِ مِرَارًا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْجَبَّارِينَ الْكَافِرِينَ وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآنِ قَدْ وَرَدَ فِيهِمْ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَأَثَرٌ أَوْرَدَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَهُمَا مُتَعَارِضَانِ وَهَا نَحْنُ نُورِدُهُمَا لتقف عليهما.

قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: " كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبُرَ السَّاحِرُ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّي قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَحَضَرَ أَجَلِي فَادْفَعْ إلي غلاماً فلاعلمه


(١) عزمة: عزائم الله فرائضه التي أوجبها على عباده.
(٢) في تفسير القرطبي: لرجوت فيها العون منه.
(٣) قال ابن عطية: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: " لم يكن لقمان نبياً ولكن كان عبداً كثير التفكر حسن اليقين، أحب الله تعالى فأحبه فمن عليه بالحكمة وخيره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق.
فَقَالَ: رَبِّ، إِنَّ خيرتني قبلت العافية وتركت البلاء ; وان عزمت علي فسمعا وطاعة ".
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>