للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقفت أحياء كثيرة من الاعراب ينظرون على من تكون الدائرة، وجاء طليحة فيمن معه من قومه ومن التف معهم وانضاف إليهم، وقد حضر معه عيينة بن حصن في سبعمائة من قومه، بني فزارة، واصطف الناس، وجلس طليحة ملتفا في كساء له يتنبأ لهم ينظر ما يوحى إليه فيما يزعم، وجعل عيينة يقاتل ما يقاتل، حتى إذا ضجر من القتال يجئ إلى طليحة وهو ملتف في كسائه فيقول: أجاءك جبريل؟ فيقول: لا، فيرجع فيقاتل، ثم يرجع فيقول له مثل ذلك ويرد عليه مثل ذلك، فلما كان في الثالثة قال له: هل جاءك جبريل؟ قال نعم، قال: فما قال لك؟ قال: قال لي إن لك رحاء كرحاه، وحديثا لا تنساه، قال يقول عيينة، أظن أن قد علم الله سيكون لك حديث لا تنساه، ثم قال: يا بني فزارة انصرفوا، وانهزم وانهزم الناس عن طليحة، فلما جاءه المسلمون ركب على فرس كان قد أعدها له، وأركب امرأته النوار على بعير له، ثم انهزم بها إلى الشام وتفرق جمعه، وقد قتل الله طائفة ممن كان معه، فلما أوقع الله بطليحة وفزارة ما أوقع، قالت بنو عامر وسليم وهوازن: ندخل فيما خرجنا منه، ونؤمن بالله ورسوله، ونسلم لحكمه في أموالنا وأنفسنا … قلت: وقد كان طليحة الأسدي ارتد في حياة النبي ، فلما مات رسول الله قام بمؤازرته عيينة بن حصن من بدر، وارتد عن الاسلام، وقال لقومه: والله لنبي من بني أسد أحب إلي من نبي من بني هاشم، وقد مات محمد وهذا طليحة فاتبعوه، فوافق قومه بنو فزارة على ذلك، فلما كسرهما خالد هرب طليحة بامرأته إلى الشام، فنزل على بني كلب (١)، وأسر خالد عيينة بن حصن، وبعث به إلى المدينة مجموعة يداه إلى عنقه، فدخل المدينة وهو كذلك فجعل الولدان والغلمان يطعنونه بأيديهم، ويقولون: أي عدو الله، ارتددت عن الاسلام؟ فيقول: والله ما كنت آمنت قط، فلما وقف بين يدي الصديق استتابه وحقن دمه، ثم حسن إسلامه بعد ذلك، وكذلك من على قرة بن هبيرة، وكان أحد الامراء مع طليحة، فأسره مع عيينة، وأما طليحة فإنه راجع الاسلام بعد ذلك أيضا، وذهب إلى مكة معتمرا أيام الصديق، واستحيى أن يواجهه مدة حياته، وقد رجع فشهد القتال مع خالد، وكتب الصديق إلى خالد: أن استشره في الحرب ولا تؤمره - يعني معاملته له بنقيض ما كان قصده من الرياسة في الباطن - وهذا من فقه الصديق وأرضاه، وقد قال خالد بن الوليد لبعض أصحاب طليحة ممن أسلم وحسن إسلامه: أخبرنا عما كان يقول لكم طليحة من الوحي، فقال: إنه كان يقول: الحمام واليمام والصرد والصوام، قد صمن قبلكم بأعوام ليبلغن ملكنا العراق والشام، إلى غير


(١) في الطبري: ومضى طليحة حتى نزل في كلب على النقع. وفي الكامل: ثم نزل على كلب وفي فتوح ابن الأعثم: حتى صار إلى بني جفنة. وفي تاريخ اليعقوبي: وجاور في بني حنيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>