للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعصا، ولا يسكن إلا المساجد، ثم جعل ينتقل من بلد إلى بلد حتى دخل مراكش ومعه تلميذه عبد المؤمن بن علي، وقد كان توسم النجابة والشهامة فيه، فرأى في مراكش من المنكرات أضعاف ما رأى في غيرها، من ذلك أن الرجال يتلثمون والنساء يمشين حاسرات عن وجوههن، فأخذ في إنكار ذلك حتى أنه اجتازت به في بعض الأيام أخت أمير المسلمين يوسف ملك مراكش وما حولها، ومعها نساء مثلها راكبات حاسرات عن وجوههن، فشرع هو وأصحابه في الانكار عليهن، وجعلوا يضربون وجوه الدواب فسقطت أخت الملك عن دابتها، فأحضره الملك وأحضر الفقهاء فظهر عليهم بالحجة، وأخذ يعظ الملك في خاصة نفسه، حتى أبكاه، ومع هذا نفاه الملك عن بلده فشرع يشنع عليه ويدعو الناس إلى قتاله، فاتبعه على ذلك خلق كثير، فجهز إليه الملك جيشا كثيفا فهزمهم ابن تومرت، فعظم شأنه وارتفع أمره، وقويت شوكته، وتسمى بالمهدي، وسمى جيشه جيش الموحدين وألف كتابا في التوحيد وعقيدة تسمى المرشدة، ثم كانت له وقعات مع جيوش صاحب مراكش، فقتل منهم في بعض الأيام نحوا من سبعين ألفا، وذلك بإشارة أبي عبد الله التومرتي (١)، وكان ذكر أنه نزل إليه ملك وعلمه القرآن والموطأ، وله بذلك ملائكة يشهدون به في بئر سماه، فلما اجتاز به وكان قد أرصد فيه رجالا، فلما سألهم عن ذلك والناس حضور معه على ذلك البئر شهدوا له بذلك، فأمر حينئذ بطم البئر عليهم فماتوا عن آخرهم، ولهذا يقال من أعان ظالما سلط عليه. ثم جهز ابن تومرت الذي لقب نفسه بالمهدي جيشا عليهم أبو عبد الله التومرتي، وعبد المؤمن، لمحاصرة مراكش، فخرج إليهم أهلها فاقتتلوا قتالا شديدا، وكان في جملة من قتل أبو عبد الله التومرتي هذا الذي زعم أن الملائكة تخاطبه، ثم افتقدوه في القتلى فلم يجدوه، فقالوا: إن الملائكة رفعته، وقد كان عبد المؤمن دفنه والناس في المعركة، وقتل ممن معه من أصحاب المهدي خلق كثير، وقد كان حين جهز الجيش مريضا مدنفا، فلما جاءه الخبر ازداد مرضا إلى مرضه، وساءه قتل أبي عبد الله التومرتي، وجعل الامر من بعده لعبد المؤمن بن علي، ولقبه أمير المؤمنين. وقد كان شابا حسنا حازما عاقلا، ثم مات ابن تومرت (٢) وقد أتت عليه إحدى وخمسون سنة (٣)، ومدة ملكه عشر (٤) سنين، وحين صار إلى عبد المؤمن بن علي الملك أحسن إلى الرعايا، وظهرت له سيرة جيدة فأحبه الناس، واتسعت ممالكه، وكثرت جيوشه ورعيته، ونصب العداوة إلى تاشفين صاحب مراكش، ولم يزل الحرب بينهما إلى سنة خمس وثلاثين، فمات تاشفين فقام ولده من بعده، فمات في سنة تسع


(١) في الكامل والوافي بالوفيات: الونشريشي، وفي وفيات الأعيان: الونشريسي.
(٢) في ابن خلدون ٦/ ٢٢٩: سنة ثنتين وعشرين، واتفق ابن الأثير والوافي وابن خلكان أن وفاته كانت سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
(٣) في الوافي ووفيات الأعيان: كان مولده سنة ٤٨٥ هـ. فإن صح فيكون له عند وفاته ٥٩ سنة.
(٤) في الكامل: عشرين سنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>