للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أمرائه، فأمر السلطان محمود بقتل الوزير أبي إسماعيل، فقتل وله نيف وستون سنة، وله تصانيف في صناعة الكيمياء. ثم أرسل إلى أخيه مسعود الأمان واستقدمه عليه، فلما التقيا بكيا واصطلحا. وفيها نهب دبيس صاحب الحلة البلاد، وركب بنفسه إلى بغداد، ونصب خيمته بإزاء دار الخلافة، وأظهر ما في نفسه من الضغائن، وذكر كيف طيف برأس أبيه في البلاد، وتهدد المسترشد، فأرسل إليه الخليفة يسكن جأشه ويعده أنه سيصلح بينه وبين السلطان محمود، فلما قدم السلطان محمود بغداد أرسل دبيس يستأمن فأمنه وأجراه على عادته، ثم إنه نهب جسر السلطان فركب بنفسه السلطان لقتاله واستصحب معه ألف سفينة ليعبر فيها، فهرب دبيس والتجأ إلى إيلغازي فأقام عنده سنة، ثم عاد إلى الحلة وأرسل إلى الخليفة والسلطان يعتذر إليهما مما كان منه، فلم يقبلا منه، وجهز إليه السلطان جيشا فحاصروه وضيقوا عليه قريبا من سنة، وهو ممتنع في بلاده لا يقدر الجيش على الوصول إليه. وفيها كانت وقعة عظيمة بين الكرج والمسلمين بالقرب من تفليس، ومع الكرج كفار الفقجاق فقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا، وغنموا أموالا جزيلة، وأسروا نحوا من أربعة آلاف أسير، فإنه لله وإنا إليه راجعون. ونهب الكرج تلك النواحي وفعلوا أشياء منكرة، وحاصروا تفليس مدة ثم ملكوها عنوة، بعد ما أحرقوا القاضي والخطيب حين خرجوا إليهم يطلبون منهم الأمان، وقتلوا عامة أهلها، وسبوا الذرية واستحوذوا على الأموال، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وفيها أغار جوسكين (١) الفرنجي على خلق من العرب والتركمان (٢) فقتلهم وأخذ أموالهم، وهذا هو صاحب الرها. وفيها تمردت العيارون ببغداد وأخذوا الدور جهارا ليلا ونهارا، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

وفيها كان ابتداء ملك محمد بن تومرت ببلاد المغرب، كان ابتداء أمر هذا الرجل أنه قدم في حداثة سنه من بلاد المغرب (٣) فسكن النظامية ببغداد، واشتغل بالعلم فحصل منه جانبا جيدا من الفروع والأصول، على الغزالي وغيره، وكان يظهر التعبد والورع، وربما كان ينكر على الغزالي حسن ملابسه، ولا سيما لما لبس خلع التدريس بالنظامية، أظهر الانكار عليه جدا، وكذلك على غيره، ثم إنه حج وعاد إلى بلاده، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقرئ الناس القرآن ويشغلهم في الفقه، فطار ذكره في الناس، واجتمع به يحيى بن تميم بن المعز بن باديس صاحب بلاد إفريقية، فعظمه وأكرمه، وسأله الدعاء، فاشتهر أيضا بذلك، وبعد صيته، وليس معه إلا ركوة


(١) كذا بالأصل وتاريخ ابن خلدون، وفي الكامل وابن العبري وأبي الفداء: جوسلين.
(٢) وكانوا نازلين بصفين، غربي الفرات.
(٣) هو أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن تومرت العلوي الحسني من قبيلة المصامدة وتعرف بهرغة في جبل السوس من بلاد المغرب وقد نزلوا به لما فتحه المسلمون مع موسى بن نصير. (وانظر تاريخ ابن خلدون ٦/ ٢٢٣ - ٢٢٥) وابن خلكان ٥/ ٤٥ والوافي بالوفيات ٣/ ٣٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>