إلي منهم من لا زرقه على الله. فسكت الرجل. وقال: مررت في بعض جبال فإذا حجر مكتوب عليه بالعربية:
كل حي وإن بقي … فمن العيش يستقي
فاعمل اليوم واجتهد … واحذر الموت يا شقي
قال: فبينا أنا واقف أقرأ وأبكي، وإذا برجل أشعر أغبر عليه مدرعة من شعر فسلم وقال: مم تبكي؟ فقلت: من هذا. فأخذ بيدي ومضى غير بعيد فإذا بصخرة عظيمة مثل المحراب فقال اقرأ وابك ولا تقصر. وقام هو يصلي فإذا في أعلاه نقش بين عربي:
لا تبغين جاها وجاهك ساقط … عند المليك وكن لجاهك مصلحا
وفي الجانب الآخر نقش بين عربي:
من لم يثق بالقضاء والقدر … لاقى هموما كثيرة الضرر
وفي الجانب الأيسر منه نقش بين عربي:
ما أزين التقى وما أقبح الخنا … وكل مأخوذ بما جنا … وعند الله الجزا
وفي أسفل المحراب فوق الأرض بذراع أو أكثر:
إنما الفوز والغنى … في تقى الله والعمل
قال: فلما فرغت من القراءة التفت فإذا ليس الرجل هناك، فما أدري انصرف أم حجب عني. وقال: أثقل الأعمال في الميزان أثقلها على الأبدان، ومن وفى العمل وفى له الاجر، ومن لم يعمل رحل من الدنيا إلى الآخرة بلا قليل ولا كثير. وقال: كل سلطان لا يكون عادلا فهو واللص بمنزلة واحدة، وكل عالم لا يكون ورعا فهو والذئب بمنزلة واحدة، وكل من خدم سوى الله فهو والكلب بمنزلة واحدة. وقال: ما ينبغي لمن ذل الله في طاعته أن يذل لغير الله في مجاعته، فكيف بمن هو يتقلب في نعم الله وكفايته؟ وقال: أعربنا في كلامنا فلم نلحن، ولحنا في أعمالنا فلم نعرب. وقال: كنا إذا رأينا الشاب يتكلم في المجلس أيسنا من خيره. وقال: جانبوا الناس ولا تنقطعوا عن جمعة ولا جماعة.
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسن بن محمد بن زامين الأسترآبادي قال: أنبأ عبد الله بن محمد الحميدي الشيرازي، أنبأ القاضي أحمد بن خرزاد الأهوازي، حدثني علي بن محمد القصوي، حدثني أحمد بن محمد الحلبي، سمعت سريا السقطي يقول: سمعت بشر بن الحارث الحافي يقول: قال إبراهيم بن أدهم: وقفت على راهب فأشرف علي فقلت له: عظني فأنشأ يقول: