للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْهَذَيَانَاتِ السَّمِجَةِ * وَقَدْ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّديق إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حِينَ جَاءَهُ أنَّه كَسَرَ طُلَيْحَةَ وَمَنْ كَانَ في صفِّه وقام بنصره فكتب إليه: لنردك مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا واتَّق اللَّهَ فِي أَمْرِكَ، فإنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، جدَّ فِي أَمْرِكَ وَلَا تلن وَلَا تَظْفَرْ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا نكَّلت بِهِ، وَمَنْ أَخَذْتَ ممَّن حادَّ الله أو ضادَّه ممَّن بري إِنَّ فِي ذَلِكَ

صَلَاحًا فَاقْتُلْهُ * فَأَقَامَ خَالِدٌ بِبُزَاخَةَ شَهْرًا، يُصَعِّدُ فِيهَا وَيُصَوِّبُ وَيَرْجِعُ إِلَيْهَا في طلب الذين وصَّاه بسلبهم الصِّديق، فَجَعَلَ يتردَّد فِي طَلَبِ هَؤُلَاءِ شَهْرًا يَأْخُذُ بِثَأْرِ مَنْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حِينَ ارتدُّوا، فَمِنْهُمْ مَنْ حرَّقه بالنَّار، وَمِنْهُمْ مَنْ رَضَخَهُ بِالْحِجَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَمَى بِهِ مِنْ شَوَاهِقَ الْجِبَالِ، كلُّ هذا ليعتبر بِهِمْ مَنْ يَسْمَعُ بَخَبَرِهِمْ مِنْ مرتدَّة الْعَرَبِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * وَقَالَ الثَّوريّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شهاب قال: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بُزَاخَةَ - أَسَدٌ وَغَطَفَانُ - عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلح، خيَّرهم أَبُو بَكْرٍ بين حرب مجلية حِطَّةٍ مُخْزِيَةٍ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أمَّا الْحَرْبُ الْمُجْلِيَةُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْحِطَّةُ الْمُخْزِيَةُ؟ قَالَ: تُؤْخَذُ مِنْكُمُ الْحَلْقَةُ وَالْكُرَاعُ وَتُتْرَكُونَ أَقْوَامًا يتَّبعون أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نبيَّه وَالْمُؤْمِنَيْنِ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ، وتؤدُّون مَا أَصَبْتُمْ منَّا، وَلَا نؤدِّي مَا أَصَبْنَا منكم، وتشهدون أنَّ قتلانا في الجنَّة وإن قتلاكم فِي النَّار، وَتَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: أمَّا قَوْلُكَ: تَدُونَ قَتْلَانَا، فَإِنَّ قَتْلَانَا قُتِلُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا دِيَاتِ لهم، فامتنع عُمَرَ وَقَالَ عُمَرُ فِي الثَّاني: نِعم مَا رأيت * رواه البخاري من حيث الثَّوريّ بسنده مختصراً.

وقعة أخرى كَانَ قَدِ اجْتَمَعَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْفُلَّالِ يَوْمَ بُزَاخَةَ مِنْ أَصْحَابِ طُلَيْحَةَ، مِنْ بَنِي غَطَفَانَ فَاجْتَمَعُوا إِلَى امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: أمُّ زمل - سلمى بنت ملك بْنِ (١) حُذَيْفَةَ - وَكَانَتْ مِنْ سَيِّدَاتِ الْعَرَبِ، كأمِّها أُمِّ قِرْفَةَ، وَكَانَ يُضْرَبُ بأمِّها الْمَثَلُ فِي الشَّرف لِكَثْرَةِ أَوْلَادِهَا وعزَّة قَبِيلَتِهَا وَبَيْتِهَا، فلمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهَا ذمَّرتهم لِقِتَالِ خَالِدٍ، فَهَاجُوا لِذَلِكَ، وناشب إليهم آخرون من بني سُليم وطئ وَهَوَازِنَ وَأَسَدٍ، فَصَارُوا جَيْشًا كَثِيفًا وتفحَّل أَمْرُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، فلمَّا سَمِعَ بِهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَارَ إِلَيْهِمْ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَهِيَ رَاكِبَةٌ عَلَى جَمَلِ أمِّها الَّذِي كَانَ يُقَالُ له من يمس جَمَلَهَا فَلَهُ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَذَلِكَ لعزِّها، فَهَزَمَهُمْ خَالِدٌ وَعَقَرَ جَمَلَهَا وَقَتَلَهَا وَبَعَثَ بِالْفَتْحِ إلى الصِّديق رضي الله عنه.

قصَّة الْفُجَاءَةِ

وَاسْمُهُ إِيَاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عُمَيْرَةَ بْنِ خِفَافٍ من بني سُليم، قاله ابن إسحاق،


(١) في الطبري والكامل: مالك.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>