للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل محاسن بغداد ومساويها وما روي في ذلك عن الأئمة

قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: قَالَ لِي الشَّافعيّ: هَلْ رَأَيْتَ بَغْدَادَ؟ قُلْتُ لا! فقال: ما رأيت الدنيا.

وقال الشافعي: مَا دَخَلْتُ بَلَدًا قَطُّ إِلَّا عَدَدْتُهُ سَفَرًا، إِلَّا بَغْدَادَ فَإِنِّي حِينَ دَخَلْتُهَا عَدَدْتُهَا وَطَنًا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ (١) : الدُّنْيَا بَادِيَةٌ وَبَغْدَادُ حَاضِرَتُهَا.

وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ فِي طَلَبِ الحديث من أهل بغداد، ولا أحسن دعة منهم.

وقال ابن مجاهد: رأيت أبا عمرو بن الْعَلَاءِ فِي النَّوْمِ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ لِي: دَعْنِي مِنْ هَذَا، مَنْ أَقَامَ بِبَغْدَادَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَاتَ نُقِلَ مِنْ جَنَّةٍ إِلَى جَنَّةٍ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: الْإِسْلَامُ بِبَغْدَادَ، وَإِنَّهَا لَصَيَّادَةٌ تَصِيدُ الرِّجَالَ، وَمَنْ لَمْ يَرَهَا لَمْ يَرَ الدُّنْيَا.

وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: بَغْدَادُ دَارُ دُنْيَا وَآخِرَةٍ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ يَوْمُ الْجُمْعَةِ بِبَغْدَادَ، وَصَلَاةُ التَّرَاوِيحِ بِمَكَّةَ، وَيَوْمُ الْعِيدِ بِطَرَسُوسَ.

قال الخطيب: من شهد يوم الْجُمْعَةَ بِمَدِينَةِ

السَّلَامِ عَظَّمَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ مَحَلَّ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ مَشَايِخَنَا كَانُوا يَقُولُونَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ بِبَغْدَادَ كَيَوْمِ الْعِيدِ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُنْتُ أُوَاظِبُ عَلَى الْجُمْعَةِ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ فَعَرَضَ لِي شُغْلٌ فَصَلَّيْتُ فِي غَيْرِهِ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ: تركت الصلاة في جامع المدينة وإنه ليصلي فيه كُلَّ جُمْعَةٍ سَبْعُونَ وَلِيًّا.

وَقَالَ آخَرُ: أَرَدْتُ الانتقال من بغداد فرأيت كأن قائلاً يقول فِي الْمَنَامِ: أَتَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ فِيهِ عَشَرَةُ آلَافِ وَلِيٍّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَتَيَا بَغْدَادَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لصاحبه: اقلبها.

فَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهَا: فَقَالَ الْآخَرُ كَيْفَ أقلب ببلد يختم فيها القرآن كل ليلة خَمْسَةَ آلَافِ خَتْمَةٍ؟ وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العزيز بن سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: إِذَا كَانَ عِلْمُ الرجل حجازياً وخلقه عراقياً وصلاته شَامِيَّةً فَقَدْ كَمُلَ.

وَقَالَتْ زُبَيْدَةُ لِمَنْصُورٍ النَّمَرِيِّ قل شعراً تحبب فيه بغداد إلي.

فقد اختار عليها الرَّافِقَةِ فَقَالَ: مَاذَا بِبَغْدَادَ مِنْ طِيبِ الْأَفَانِينِ * ومن منازه للدنيا وللدين تحيي الرياح بها الرمضى إِذَا نَسَمَتْ * وَجَوَّشَتْ بَيْنَ أَغْصَانِ الرَّيَاحِينِ قَالَ: فَأَعْطَتْهُ أَلْفَيْ دِينَارٍ.

وَقَالَ الْخَطِيبُ: وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ طَاهِرِ بْنِ مُظَفَّرِ بْنِ طَاهِرٍ الْخَازِنِ بِخَطِّهِ مِنْ شِعْرِهِ: سَقَى اللَّهُ صَوْبَ الْغَادِيَاتِ مَحَلَّةً * بِبَغْدَادَ بَيْنَ الْكَرْخِ فَالْخُلْدِ فَالْجِسْرِ هِيَ الْبَلْدَةُ الْحَسْنَاءُ خُصَّتْ لِأَهْلِهَا * بِأَشْيَاءَ لَمْ يُجْمَعْنَ مذكن فِي مِصْرِ هَوَاءٌ رَقِيقٌ فِي اعْتِدَالٍ وَصِحَّةٍ * وماء له طعم ألذ من الخمر


(١) وهو قول أبو إسحاق الزجاج: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>