للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل هذا الضمير عائذ على الجنس في قوله (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) [الأعراف: ١٣٨] أي قال بعضهم (١) كما في قوله (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا) [الكهف: ٤٧ - ٤٨] فالذين زعموا هذا، بعض الناس، لا كلهم، وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري عن سنان بن أبي سنان الديلي، عن أبي واقد (٢) الليثي قال: خرجنا مع رسول الله قبل حنين، فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون (٣) سلاحهم بسدرة، ويعكفون حولها فقال نبي الله : " الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة انكم تركبون سنن الذين من قبلكم " (٤). ورواه النسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق به. ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سفيان بن عيينة عن الزهري به. ثم قال حسن صحيح. وقد روى ابن جرير من حديث محمد بن إسحاق ومعمر وعقيل عن الزهري عن سنان بن أبي سنان عن أبي واقد الليثي، أنهم خرجوا من مكة، مع رسول الله إلى خيبر، قال وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط (٥) قال فمررنا بسدرة خضراء عظيمة قال: فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال: " قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون. إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ".

والمقصود أن موسى لما انفصل من بلاد مصر وواجه بلاد بيت المقدس وجد فيها قوما من الجبارين من الحيثانيين والفزاريين والكنعانيين وغيرهم فأمرهم موسى بالدخول عليهم ومقاتلتهم وإجلائهم إياهم عن بيت المقدس، فإن الله كتبه لهم، ووعدهم إياه على لسان إبراهيم الخليل، وموسى الكليم الجليل، فأبوا، ونكلوا عن الجهاد، فسلط الله عليهم


(١) قال الرازي في تفسيره: قال بعضهم، لأنه كان مع موسى السبعون المختارون وكان فيهم من يرتفع عن مثل هذا السؤال الباطل; قال: والأقرب انهم طلبوا من موسى أن يعين لهم أصناما وتماثيل يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى. وقولهم كفر لان الأنبياء اجمعوا على أن عبادة غير الله تعالى كفر سواء اعتقد في ذلك، الغير كونه إلها للعالم، أو اعتقدوا فيه أن عبادته تقربهم إلى الله تعالى.
(٢) أبو واقد الليثي المدني صحابي قيل اسمه الحارث بن مالك وقيل ابن عوف وقيل عوف بن الحارث. روى عنه أبناه وابن المسيب وعروة مات سنة ٦٨ هـ. الكاشف ج ٣/ ٣٤٣ - تقريب التهذيب ٢/ ٢/ ٤٨٦.
(٣) ينوطون: يعلقون بها سلاحهم.
(٤) مسند أحمد: ج ٥/ ٢١٨ ورواه الترمذي في ٣٤/ ١٨/ ٢١٨٠.
(٥) ذات أنواط: أي ينوطون بها، يعلقون بها سلاحهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>