وما ادعاه ليس بصحيح، ولا أصل له يعتمد عليه، ولا مستند يستند إليه، والمقصود أن الأمير نجم الدين كان أسن من أخيه أسد الدين شيركوه، ولد بأرض الموصل، كان الأمير نجم الدين شجاعا، خدم الملك محمد بن ملكشاه فرأى فيه شهامة وأمانة، فولاه قلعة تكريت، فحكم فيها فعدل، وكان من أكرم الناس، ثم أقطعها الملك مسعود لمجاهد الدين نهروز (٣) شحنة العراق، فاستمر فيها، فاجتاز به في بعض الأحيان الملك عماد الدين زنكي منهزما من قراجا الساقي فآواه وخدمه خدمة بالغة تامة، وداوى جراحاته وأقام عنده مدة خمسة عشر يوما، ثم ارتحل إلى بلده الموصل، ثم اتفق أن نجم الدين أيوب عاقب رجلا نصرانيا فقتله، وقيل إنما قتله أخوه أسد الدين شيركوه، وهذا بخلاف الذي ذكره ابن خلكان، فإنه قال: رجعت جارية من بعض الخدم فذكرت له أنه تعرض لها اسفهسلار الذي بباب القلعة، فخرج إليه أسد الدين فطعنه بحربة فقتله، فحبسه أخوه نجم الدين وكتب إلى مجاهد الدين نهروز (١) يخبره بصورة الحال، فكتب إليه يقول: إن أباكما كانت له علي خدمة، وكان قد استنابه في هذه القلعة قبل ابنه نجم الدين أيوب، وإني أكره أن أسوءكما، ولكن انتقلا منها. فأخرجهما نهروز من قلعته، وفي ليلة خروجه منها ولد له الملك الناصر صلاح الدين يوسف. قال فتشاءمت به لفقدي بلدي ووطني، فقال له بعض الناس: قد نرى ما أنت فيه من التشاؤم بهذا المولود فما يؤمنك أن يكون هذا المولود ملكا عظيما له صيت؟ فكان كما قال، فاتصلا بخدمة الملك عماد الدين زنكي أبي نور الدين، ثم كانا عند نور الدين متقدمان عنده، وارتفعت منزلتهما وعظما، فاستناب نور الدين نجم الدين أيوب على بعلبك، وكان أسد الدين من أكبر أمرائه، ولما تسلم بعلبك أقام مدة طويلة، وولد له فيها أكثر أولاده، ثم كان من أمره ما ذكرناه في دخوله الديار المصرية. ثم إنه في ذي الحجة سقط عن فرسه فمات بعد ثمانية أيام في اليوم السابع والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة، وكان ابنه صلاح الدين محاصر الكرك غائبا عنه، فلما بلغه خبر موته تألم لغيبته عن حضوره، وأرسل يتحرق ويتحزن، وأنشد:
وتخطفه يد الردى في غيبتي … هبني حضرت، فكنت ماذا أصنع؟
وقد كان نجم الدين أيوب كثير الصلاة والصدقة والصيام، كريم النفس جوادا ممدحا قال ابن خلكان: وله خانقاه بالديار المصرية، ومسجد وقناة خارج باب النصر من القاهرة، وقفها في سنة ست وستين. قلت: وله بدمشق خانقاه أيضا، تعرف بالنجمية، وقد استنابه ابنه على الديار المصرية حين خرج إلى الكرك، وحكمه في الخزائن، وكان من أكرم الناس، وقد امتدحه الشعراء كالعماد وغيره ورثوه بمراث كثيرة، وقد ذكر ذلك مستقصى الشيخ أبو شامة في الروضتين، ودفن مع أخيه أسد الدين بدار الامارة، ثم نقلا إلى المدينة النبوية في سنة ثمانين، فدفنا بتربة الوزير