للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشُّرُفَاتِ فَهَبَّتِ الرِّيحُ فَأَلْقَتْهُمْ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا طُولُ الرجل منهم شبر أو نصف شِبْرٍ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا مُعَاوِيَةُ الصَّائِفَةَ، مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، وكان معه حماد والصحابة فَسَارَ وَغَنِمَ وَرَجَعَ سَالِمًا.

وَفِيهَا وُلِدَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ.

وَفِيهَا حَجٌّ بِالنَّاسِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَكَانَ عُمَّالُهُ فِيهَا عَلَى الْبِلَادِ، هُمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّنَةِ قَبْلَهَا.

وَذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ عَزَلَ عَمَّارًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنِ الْكُوفَةِ اشْتَكَاهُ أَهْلُهَا وَقَالُوا: لَا يُحْسِنُ السِّيَاسَةَ، فَعَزَلَهُ وَوَلَّى أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: لَا نُرِيدُهُ، وَشَكَوْا مِنْ غُلَامِهِ فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِي، وَذَهَبَ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ لِيُفَكِّرَ مَنْ يُوَلِّي.

فَنَامَ مِنَ الْهَمِّ فَجَاءَهُ الْمُغِيرَةُ فَجَعَلَ يَحْرُسُهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَظِيمٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الذي بلغ بك هذا.

قال: وكيف وَأَهْلُ الْكُوفَةِ مِائَةُ أَلْفٍ لَا يَرْضَوْنَ عَنْ أَمِيرٍ وَلَا يَرْضَى عَنْهُمْ أَمِيرٌ.

ثُمَّ جَمَعَ الصَّحَابَةَ وَاسْتَشَارَهُمْ، هَلْ يُوَلِّي عَلَيْهِمْ قَوِيًّا مُشَدِّدًا أَوْ ضَعِيفًا مُسْلِمًا؟ فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شعبة: يا أمير المؤمنين، إن القوي لَكَ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَتَشْدِيدُهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الضَّعِيفُ الْمُسْلِمُ فَضَعْفُهُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِسْلَامُهُ لِنَفْسِهِ.

فَقَالَ عُمَرُ لِلْمُغِيرَةِ - وَاسْتَحْسَنَ مَا قَالَ لَهُ -: اذْهَبْ فَقَدْ وَلَّيْتُكَ الْكُوفَةَ.

فَرَدَّهُ إِلَيْهَا بَعْدَ مَا كَانَ عَزَلَهُ عَنْهَا بِسَبَبِ مَا كَانَ شَهِدَ عَلَيْهِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ حَدُّهُمْ بِسَبَبِ قَذْفِهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَبَعَثَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إِلَى الْبَصْرَةِ [فَقِيلَ لِعَمَّارٍ: أَسَاءَكَ الْعَزْلُ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا سَرَّتْنِي الْوِلَايَةُ، وَلَقَدْ سَاءَنِي الْعَزْلُ.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،

ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَبْعَثَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ على الكوفة بدل المغيرة فعاجلته الْمَنِيَّةُ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَلِهَذَا أَوْصَى لِسَعْدٍ بِهِ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ بِلَادَ خُرَاسَانَ، وَقَصَدَ الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ يَزْدَجِرْدُ مَلِكُ الْفُرْسِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَزَعَمَ سَيْفٌ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ.

قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى لَمَّا اسْتَلَبَ سَعْدٌ مِنْ يَدَيْهِ مَدِينَةَ مُلْكِهِ، وداره مَقَرِّهِ، وَإِيوَانَ سُلْطَانِهِ، وَبِسَاطَ مَشُورَتِهِ وَحَوَاصِلِهِ، تَحَوَّلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى حُلْوَانَ، ثُمَّ جَاءَ الْمُسْلِمُونَ لِيُحَاصِرُوا حُلْوَانَ فَتَحَوَّلَ إِلَى الرَّيِّ، وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ حُلْوَانَ ثُمَّ أُخِذَتِ الرَّيُّ، فَتَحَوَّلَ مِنْهَا إِلَى أصبهان (١) ، فأخذت أصبهان، فسار


(١) أصبهان: في التاج (أصص) : " أصبهان أصله أصت بهان أي سمنت المليحة، سميت لحسن هوائها وعذوبة مائها وكثرة فواكهها فخففت.
والصواب أنها أعجمية وقد تكسر همزتها وقد تبدل باؤها فاء فيهما، وأصلها اسباهان أي الاجناد لانهم كانوا سكانها ... الخ ".
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>