للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حليف لهم من أسلم. فخرجوا وأمر عليهم رسول الله عبد الله بن عتيك ونهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة، فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا، فلم يدعوا بيتا في الدار حتى أغلقوه على أهله. قال: وكان في علية له إليها عجلة (١) قال: فأسندوا إليها حتى قاموا على بابه، فاستأذنوا فخرجت إليهم امرأته، فقالت: من أنتم؟ قالوا: أناس من العرب نلتمس الميرة. قالت: ذاكم صاحبكم فأدخلوا عليه. فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليه الحجرة تخوفا أن يكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه. قال: فصاحت امرأته فنوهت بنا، فابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية (٢) ملقاة. قال: فلما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه، ثم يذكر نهى رسول الله فيكف يده، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل. قال فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول: قطني قطني أي حسبي حسبي. قال: وخرجنا وكان عبد الله بن عتيك سئ البصر قال: فوقع من الدرجة فوثئت يده وثئا شديدا (٣) وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم، فندخل فيه فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبونا، حتى إذا يئسوا رجعوا إليه فاكتنفوه وهو يقضي. قال فقلنا: كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات؟ قال: فقال رجل منا: أنا أذهب فانظر لكم. فانطلق حتى دخل في الناس قال: فوجدتها - يعني امرأته - ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول: أما والله قد سمعت صوت ابن عتيك، ثم أكذبت نفسي وقلت: أني ابن عتيك بهذه البلاد. ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه فقالت: فاظ واله يهود، فما سمعت كلمة كانت ألذ على نفسي منها. قال: ثم جاءنا فأخبرنا، فاحتملنا صاحبنا وقدمنا على رسول الله فأخبرناه بقتل عدو الله، واختلفنا عنده في قتله كلنا يدعيه. قال: فقال: هاتوا أسيافكم، فجئنا بها فنظر إليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس: هذا قتله أرى، فيه أثر الطعام. قال ابن إسحاق: فقال حسان بن ثابت في ذلك:

لله در عصابة لاقيتهم … يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف

يسرون بالبيض الخفاف إليكم … مرحا كأسد في عرين مغرف (٤)

حتى أتوكم في محل بلادكم … فسقوكم حتفا ببيض ذفف

مستبصرين لنصر دين نبيهم … مستصغرين لكل أمر مجحف


(١) عجلة: جدع النخلة ينقر ويجعل كالسلم فيصعد عليه إلى العلالي.
(٢) قبطية: ثياب بيض تصنع في مصر.
(٣) من ابن هشام، وفي الأصل: فوثبت يده وثبا. وثئت: أي أصاب عظمها شئ ليس بالكسر، وهو وجع يصيب اللحم دون العظم.
(٤) مغرف: ملتف الأغصان.

<<  <  ج: ص:  >  >>