للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَامْتَنَعَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِهَا وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يُعْتِقَهَا وَيَتَزَوَّجَهَا فَاخْتَارَتْ أَنْ تَسْتَمِرَّ عَلَى الرِّقِّ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهَا فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَلَى مَا نَزَلَ مِنَ الْآيَاتِ فِي قِصَّةِ الْخَنْدَقِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي تَفْسِيرِهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ: خَلَّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحًا فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْنِ.

قُلْتُ: كَانَ الذي ألقى عليه الرحى تِلْكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَمْ يُقْتَلْ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمَاتَ أَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرثان،

مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَدُفِنَ فِي مَقْبَرَتِهِمُ الْيَوْمَ.

وفاة سعد بن معاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

قَدْ تَقَدَّمَ: أَنَّ حِبَّانَ بْنَ الْعَرِقَةِ لَعَنَهُ اللَّهُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيًّا بِالنَّارِ فَاسْتَمْسَكَ الْجُرْحُ، وَكَانَ سَعْدٌ دَعَا اللَّهَ أَنْ لَا يُمِيتَهُ حَتَّى يُقِرَّ عَيْنَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَلِكَ حِينَ نَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِنَ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالذِّمَامِ وَمَالُوا عَلَيْهِ مَعَ الْأَحْزَابِ، فَلَمَّا ذَهَبَ الْأَحْزَابُ وَانْقَشَعُوا عَنِ الْمَدِينَةِ وَبَاءَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ بِسَوَادِ الْوَجْهِ وَالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَسَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُحَاصِرَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمَّا ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَهُمْ من كل جانب أنابوا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْكُمَ فِيهِمْ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ فَرَدَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى رَئِيسِ الْأَوْسِ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَرَضُوا بِذَلِكَ وَيُقَالُ بَلْ نَزَلُوا ابْتِدَاءً عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ، لِمَا يَرْجُونَ مِنْ حُنُوِّهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ وَمَيْلِهِ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِأَنَّهُمْ أَبْغَضُ إِلَيْهِ مِنْ أَعْدَادِهِمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، لِشِدَّةِ إِيمَانِهِ وَصِدِّيقِيَّتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ فِي خَيْمَةٍ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فجئ بِهِ عَلَى حِمَارٍ تَحْتَهُ إِكَافٌ قَدْ وُطِّئَ تَحْتَهُ لِمَرَضِهِ وَلَمَّا قَارَبَ خَيْمَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ هُنَاكَ، بِالْقِيَامِ لَهُ قِيلَ: لِيَنْزِلَ مِنْ شِدَّةِ مَرَضِهِ، وَقِيلَ تَوْقِيرًا لَهُ بِحَضْرَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي نُفُوذِ حُكْمِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَلَمَّا حَكَمَ فِيهِمْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَأَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ وَشَفَى صَدْرَهُ مِنْهُمْ وَعَادَ إِلَى خَيْمَتِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ النَّبوي صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الله عزوجل أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ وَاخْتَارَ اللَّهُ لَهُ مَا عِنْدَهُ فَانْفَجَرَ جُرْحُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمْ يَزَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَةَ انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جرحه فمات منه شهيداً.

[قال ابن إسحاق] (١) حدثني معاذ بن رفاعة


= عمرو بن خنافة بن سمعون بن زيد من بني النضير، وكانت متزوجة رجلاً من بني قريظة يقال له الحكم، فنسبها بعض الرواة إلى بني قريظة لذلك (طبقات ٨ / ١٢٩.
المغازي ٢ / ٥٢٠) .
(١) من سيرة ابن هشام ج ٣ / ٢٦٢.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>