للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصغرت عندي الدنيا حتى لهي أقل شئ. وكان عنده مرة لوز فساومه رجل على الكر (١) بثلاثة وستين دينارا، ثم ذهب الرجل فإذا اللوز يساوي الكر تسعين دينارا فقال له: إني أشتري منك الكر بتسعين دينارا. فقال له إني إنما ساومتك بثلاثة وستين دينارا وإني لا أبيعه إلا بذلك، فقال الرجل: أنا أشري منك بتسعين دينارا. فقال لا أبيعك هو إلا بما ساومتك عليه. فقال له الرجل: إن من النصح أن لا أشتري منك إلا بتسعين دينارا. وذهب فلم يشتر منه. وجاءت امرأة يوما إلى سري فقالت: إن ابني قد أخذه الحرسي وإني أحب أن تبعث إلى صاحب الشرطة لئلا يضرب، فقام فصلى فطول الصلاة وجعلت المرأة تحترق في نفسها، فلما انصرف من الصلاة قالت المرأة: الله الله في ولدي. فقال لها: إني إنما كنت في حاجتك. فما رام مجلسه الذي صلى فيه حتى جاءت امرأة إلى تلك المرأة فقالت لها: أبشري فقد أطلق ولدك وها هو في المنزل. فانصرفت إليه. وقال سري: أشتهي أن آكل أكلة ليس لله فيها علي تبعة، ولا لاحد علي فيها منة. فما أجد إلى ذلك سبيلا. وفي رواية عنه أنه قال: إني لأشتهي البقل من ثلاثين سنة فما أقدر عليه. وقال: احترق سوقنا فقصدت المكان الذي فيه دكاني فتلقاني رجل فقال أبشر فإن دكانك قد سلمت. فقلت: الحمد لله. ثم ذكرت ذلك التحميد إذ حمدت الله على سلامة دنياي وإني لم أواس الناس فيما هم فيه، فأنا أستغفر الله منذ ثلاثين سنة. رواها الخطيب عنه. وقال: صليت وردي ذات ليلة ثم مددت رجلي في المحراب فنوديت: يا سري هكذا تجالس الملوك؟ قال فضممت رجلي وقلت: وعزتك لا مددت رجلي أبدا. وقال الجنيد: ما رأيت أعبد من سري السقطي. أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رئي مضطجعا إلا في علة الموت. وروى الخطيب عن أبي نعيم عن جعفر الخلدي عن الجنيد قال: دخلت عليه أعوده فقلت: كيف تجدك؟ فقال:

كيف أشكو إلى طبيبي ما بي … والذي (٢) أصابني من طبيبي

قال: فأخذت المروحة لأروح عليه فقال: كيف يجد روح المروحة من جوفه يحترق من داخل؟

ثم أنشأ يقول:

القلب محترق والدمع مستبق … والكرب مجتمع والصبر مفترق

كيف القرار على من لا قرار له … مما جناه الهوى والشوق والقلق

يا رب إن كان شئ لي به فرج (٣) … فامنن علي به ما دام بي رمق

قال فقلت له: أوصني، قال: لا تصحب الأشرار، ولا تشتغل عن الله بمجالسة الأبرار الأخيار. وقد ذكر الخطيب وفاته يوم الثلاثاء لست خلون من رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين بعد أذان الفجر، ودفن بعد العصر بمقبرة الشوينزي، وقبره ظاهر معروف، وإلى جنبه قبر الجنيد. وروي


(١) الكر: مكيال للعراق، وهو ستون قفيزا أو أربعون أردبا (القاموس).
(٢) في صفوة الصفوة ٢/ ٣٨٤: والذي بي.
(٣) في صفة الصفوة: كان شئ فيه لي فرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>