للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدعاهم إلى ذلك عن أمر المأمون، وذكر لهم موافقة أولئك المحدثين له على ذلك، فأجابوا بمثل جواب أولئك موافقة لهم، ووقعت بين الناس فتنة عظيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون. ثم كتب المأمون إلى إسحاق أيضا بكتاب ثان يستدل به على القول بخلق القرآن بشبه من الدلائل أيضا لا تحقيق تحتها ولا حاصل لها، بل هي من المتشابه وأورد من القرآن آيات هي حجة عليه. أورد ابن جرير ذلك كله. وأمر نائبه أن يقرأ ذلك على الناس وأن يدعوهم إليه وإلى القول بخلق القرآن، فأحضر أبو إسحاق جماعة من الأئمة وهم أحمد بن حنبل. وقتيبة. وأبو حيان الزيادي. وبشر بن الوليد الكندي. وعلي بن أبي مقاتل، وسعدويه الواسطي. وعلي بن الجعد. وإسحاق بن أبي إسرائيل. وابن الهرش، وابن علية الأكبر، ويحيى بن عبد الحميد (١) العمري. وشيخ آخر من سلالة عمر كان قاضيا على الرقة، وأبو نصر التمار، وأبو معمر القطيعي، ومحمد بن حاتم بن ميمون. ومحمد بن نوح الجنديسابوري المضروب، وابن الفرخان، والنضر بن شميل، وأبو (٢) علي بن عاصم، وأبو العوام البارد (٣)، وأبو (٤) شجاع، وعبد الرحمن بن إسحاق وجماعة. فلما دخلوا على أبي إسحاق قرأ عليهم كتاب المأمون. فلما فهموه قال لبشر بن الوليد: ما تقول في القرآن؟ فقال: هو كلام الله. قال: ليس عن هذا أسألك. وإنما أسألك أهو مخلوق؟ قال: ليس بخالق. قال: ولا عن هذا أسألك. فقال: ما أحسن غير هذا. وصمم على ذلك. فقال: تشهد أن لا إله إلا الله أحدا فردا لم يكن قبله شئ ولا بعده شئ ولا يشبهه شئ من خلقه في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه؟ قال: نعم! فقال للكاتب: اكتب بما قال. فكتب. ثم امتحنهم رجلا رجلا فأكثرهم امتنع من القول بخلق القرآن، فكان إذا امتنع الرجل منهم امتحنه بالرقعة التي وافق عليها بشر بن الوليد الكندي، من أنه يقال لا يشبهه شئ من خلقه في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه فيقول: نعم كما قال بشر ولما انتهت النوبة إلى امتحان أحمد بن حنبل فقال له: أتقول إن القرآن مخلوق؟ فقال: القرآن كلام الله لا أزيد على هذا. فقال له: ما تقول في هذه الرقعة؟ فقال أقول (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) [الشورى: ١١] فقال رجل من المعتزلة: إنه يقول: سميع بأذن بصير بعين. فقال له إسحاق: ما أردت بقولك سميع بصير؟ فقال: أردت منها ما أراده الله منها وهو كما وصف نفسه ولا أزيد على ذلك. فكتب جوابات القوم رجلا رجلا وبعث بها إلى المأمون. وكان من الحاضرين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعة مكرها لأنهم كانوا يعزلون من لا يجيب عن وظائفه، وإن كان له رزق على بيت المال قطع، وإن كان مفتيا منع من الافتاء، وإن كان شيخ حديث ردع عن الاسماع والأداء ووقعت فتنة صماء ومحنة شنعاء وداهية دهياء فلا حول ولا قوة إلا بالله.


(١) في الطبري ١٠/ ٢٨٧ وابن الأثير ٦/ ٤٢٤: عبد الرحمن.
(٢) في الطبري وابن الأثير: وابن.
(٣) في الطبري وابن الأثير: البزاز.
(٤) في الطبري وابن الأثير: ابن.

<<  <  ج: ص:  >  >>