للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم دخلت سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة اسْتُهِلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَمُحَمَّدُ شَاهْ بْنُ مَحْمُودٍ مُحَاصِرٌ بَغْدَادَ وَالْعَامَّةُ وَالْجُنْدُ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَفِي يُقَاتِلُونَ أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَالْجُمُعَةُ لَا تُقَامُ لعذر القتال، والفتنة منتشرة، ثُمَّ يَسَّرَ اللَّهُ بِذَهَابِ السُّلْطَانِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَطَوَّلَ.

وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ بِالشَّامِ، هَلَكَ بِسَبَبِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَتَهَدَّمَ أَكْثَرُ حَلَبَ وَحَمَاةُ وَشَيْزَرُ وَحِمْصُ وَكَفْرُ طَابَ وَحِصْنُ الأكراد واللاذقية والمعرة وفامية وَأَنْطَاكِيَةُ وَطَرَابُلُسُ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَأَمَّا شَيْزَرُ فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا إِلَّا امْرَأَةٌ وَخَادِمٌ لَهَا، وَهَلَكَ الْبَاقُونَ، وَأَمَّا كَفْرُ طَابَ فَلَمْ يَسْلَمْ من أهلها أحد، وأما فامية فساحت قلعتها، وتل حران انْقَسَمَ نِصْفَيْنِ فَأَبْدَى نَوَاوِيسَ وَبُيُوتًا كَثِيرَةً فِي وسطه.

قال: وهلك من مدائن الفرنج شئ كثير، وتهدم أسوار أكثر مدن الشام، حتى أن مكتباً من مدينة حماه انهدم على من فيه من الصغار فهلكوا عن آخرهم، فلم يأت أَحَدٌ يَسْأَلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَصْلَ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِ الروضتين مستقصى، وذكر ما قاله الشعراء من القصائد فِي ذَلِكَ.

وَفِيهَا مَلَكَ السُّلْطَانُ مَحْمُودُ بْنُ محمد بعد خاله سنجر جميع بلاده.

وفيها فتح السُّلْطَانُ مَحْمُودُ (١) بْنُ

زَنْكِيٍّ حِصْنَ شَيْزَرَ (٢) بَعْدَ حِصَارٍ، وَأَخَذَ مَدِينَةَ بَعْلَبَكَّ، وَكَانَ بِهَا الضَّحَّاكُ الْبِقَاعِيُّ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سنة خمسين كما تقدم فالله أعلم، وقد تقدم ذلك.

وَفِيهَا مَرِضَ نُورُ الدِّينِ فَمَرِضَ الشَّامُ بِمَرَضِهِ ثم عوفي ففرح المسلمون فَرَحًا شَدِيدًا، وَاسْتَوْلَى أَخُوهُ قُطْبُ الدِّينِ مَوْدُودٌ صاحب الموصل عَلَى جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ.

وَفِيهَا عَمِلَ الْخَلِيفَةُ بَابًا لِلْكَعْبَةِ مُصَفَّحًا بِالذَّهَبِ، وَأَخَذَ بَابَهَا الْأَوَّلَ فَجَعْلَهُ لِنَفْسِهِ تَابُوتًا.

وَفِيهَا أَغَارَتِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ عَلَى حجاج خراسان فلم يبقوا منهم أحداً، لا زاهداً ولا عالماً.

وَفِيهَا كَانَ غَلَاءٌ شَدِيدٌ بِخُرَاسَانَ حَتَّى أَكَلُوا الحشرات، وذبح إنسان منهم رَجُلًا عَلَوِيًّا فَطَبَخَهُ وَبَاعَهُ فِي السُّوقِ، فَحِينَ ظَهَرَ عَلَيْهِ قُتِلَ.

وَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ: أَنَّ فَتْحَ بَانِيَاسَ كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى يد نُورِ الدِّينِ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ كَانَ مُعِينُ الدِّينِ سلمها إلى الفرنج حين حاصروا دمشق، فعوضهم بها وقيل ملكها وغنم شيئاً كثيراً.

وَفِيهَا قَدِمَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الْأَوَّلِ بن عيسى بن شعيب السجزي، فسمعوا عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي دَارِ الْوَزِيرِ بِبَغْدَادَ، وَحَجَّ بالناس قيماز.

وممن توفي فيها من الأعيان..


(١) في العبر والكامل: نور الدين محمود.
(٢) شيزر: حصن منيع قريب من حماه على نصف مرحلة منها - بينهما نصف نهار - على جبل منيع عال لا يسلك إليه إلا من طريق واحدة.
وكان لآل منقذ الكنانيين يتوارثونه..إلى أن انتهى إلى المرهف نصر بن علي وخلفه عليه أخوه أبو سلامة مرشد بن علي ثم ولاه أخاه سلطان إلى أن اختلف أولاد مرشد وسلطان الذين استنجدوا بالفرنج فحنق عليهم نور الدين.
ثم كان هلاكهم أجمعين في الزلزلة ولم ينج منهم أحد.
ثم ملكها نور الدين.
وعمر أسوارها ودورها.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>