للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) [البقرة: ٦٠ - ٦١] فذكر تعالى إنعامه عليهم وإحسانه إليهم بما يسر لهم من المن والسلوى طعامين شهيين بلا كلفة ولا سعي لهم فيه بل ينزل الله المن باكرا (١) ويرسل عليهم طير السلوى عشيا وأنبع الماء لهم بضرب موسى حجرا كانوا يحملونه معهم بالعصا فتفجر منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين منه تنبجس … ثم تتفجر ماءا زلالا فيستقون ويسقون دوابهم ويدخرون كفايتهم. وظلل عليهم الغمام من الحر … وهذه نعم من الله عظيمة وعطيات جسيمة فما رعوها حق رعايتها ولا قاموا بشكرها وحق عبادتها ثم ضجر كثير [منهم] (٢) منها وتبرموا بها وسألوا أن يستبدلوا منها ببدلها مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها (٣) وعدسها وبصلها. فقرعهم الكليم ووبخهم وأنبهم على هذه المقالة وعنفهم قائلا (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم) [البقرة: ٦١] أي هذا الذي تطلبونه وتريدونه بدل هذه النعم التي أنتم فيها حاصل لأهل الأمصار الصغار والكبار موجود بها وإذا هبطتم إليها أي ونزلتم عن هذه المرتبة التي لا تصلحون لمنصبها تجدوا بها ما تشتهون وما ترومون مما ذكرتم من المآكل الدنية والأغذية الردية (٤) ولكني لست أجيبكم إلى سؤال ذلك ههنا ولا أبلغكم ما تعنتم به من المنى وكل هذه الصفات المذكورة عنهم الصادرة منهم تدل على أنهم لم ينتهوا عما نهوا عنه كما قال تعالى (ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد


(١) قال القرطبي: المن: هو الترنجبين: (وهو طلل يقع من السماء وهو ندى شبيه بالعسل جامد متحبب قاله ابن البيطار) وقيل صمغة حلوة وقيل عسل. وروي انه كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
كالثلج. فيأخذ الرجل ما يكفيه ليومه، فإن ادخر منه شيئا فسد عليه، إلا في يوم الجمعة، فإنهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم لان يوم السبت يوم عبادة، وما كان ينزل عليهم يوم السبت شئ.
(٢) سقطت من النسخ المطبوعة.
(٣) فوم: اختلف في الفوم فقيل هو الثوم: وقيل: الفوم الحنطة وقال ابن دريد: السنبلة وقال عطاء وقتادة: الفوم كل حب يختبز.
(٤) قال القرطبي في تعليله فضل المن والسلوى على الأشياء التي طلبوها. قال وجوه خمسة توجب فضلهما:
١ - إن البقول لما كانت لا خطر لها بالنسبة إلى المن والسلوى كانا أفضل; قاله الزجاج.
٢ - لما كان المن والسلوى طعاما من الله به عليهم وأمرهم بأكله وكان في استدامة أمر الله وشكر نعمته أجر وذخر في الآخرة، والذي طلبوه عار من هذه الخصال، كان أدنى في هذا الوجه.
٣ - لما كان الله ما من به عليهم أطيب وألذ من الذي سألوه، كان ما سألوه أدنى من هذا الوجه لا محالة.
٤ - لما كان ما أعطوه لا كلفة فيه ولا تعب، والذي طلبوه لا يجئ إلا بالحرث والزراعة والتعب، كان أدنى.
٥ - لما كان ما ينزل عليهم لا مرية في حله وخلوصه لنزوله من عند الله، والحبوب والأرض يتخللها البيوع والغصب وتدخلها الشبه، كانت أدنى من هذا الوجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>