للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سأل معاوية يوما أهل البصرة عن ابن زياد فقالوا: إنه لظريف ولكنه يلحن، فقال: أوليس اللحن أظرف له؟ قال ابن قتيبة وغيره: إنما أرادوا أنه يلحن في كلامه، أي يلغز، وهو ألحن بحجته كما قال الشاعر في ذلك:

منطق رائع ويلحن أحيانا … وخير الحديث ما كان لحنا

وقيل إنهم أرادوا أنه يلحن في قوله لحنا وهو ضد الاعراب، وقيل أرادوا اللحن الذي هو ضد الصواب وهو الأشبه والله أعلم. فاستحسن معاوية منه السهولة في الكلام وأنه لم يكن ممن يتعمق في كلامه ويفخمه، ويتشدق فيه، وقيل أرادوا أنه كانت فيه لكنة من كلام العجم، فإن أمه مرجانة كانت سيروية وكانت بنت بعض ملوك الأعاجم يزدجرد أو غيره، قالوا: وكان في كلامه شئ من كلام العجم، قال يوما لبعض الخوارج: أهروري أنت؟ يعني أحروري أنت؟ وقال يوما من كاتلنا كاتلناه، أي من قاتلنا قاتلناه، وقول معاوية ذاك أظرف له، أي أجود له حيث نزع إلى أخواله، وقد كانوا يوصفون بحسن السياسة وجودة الرعاية ومحاسن الشيم.

ثم لما مات زياد سنة ثلاث وخمسين ولى معاوية على البصرة سمرة بن جندب سنة ونصفا ثم عزله وولى عليها عبد الله بن عمرو بن غيلان بن سلمة ستة أشهر، ثم عزله وولى عليها ابن زياد سنة خمس وخمسين. فلما تولى يزيد الخلافة جمع له بين البصرة والكوفة، فبنى في إمارة يزيد البيضاء، وجعل باب القصر الأبيض الذي كان لكسرى عليها. وبنى الحمراء وهي على سكة المربد، فكان يشتي في الحمراء ويصيف في البيضاء، قالوا: وجاء رجل إلى ابن زياد فقال: أصلح الله الأمير، إن امرأتي ماتت، وإني أريد أن أتزوج أمها، فقال له: كم عطاؤك في الديوان؟ فقال: سبعمائة، فقال: يا غلام حط من عطائه أربعمائة، ثم قال له: يكفيك من فقهك هذا ثلاثمائة، قالوا: وتخاصمت أم الفجيج وزوجها إليه وقد أحبت المرأة أن تفارق زوجها، فقال أبو الفجيج: أصلح الله الأمير إن خير شطري الرجل آخره، وإن شر شطري المرأة آخرها، فقال: وكيف ذلك؟ فقال: إن الرجل إذا أسن اشتد عقله واستحكم رأيه وذهب جهله، وإن المرأة إذا أسنت ساء خلقها وقل عقلها وعقم رحمها واحتد لسانها، فقال: صدقت خذ بيدها وانصرف، وقال يحيى بن معين: أمر ابن زياد لصفوان بن محرز بألفي درهم فسرقت، فقال: عسى أن يكون خيرا فقال أهله: كيف يكون هذا خيرا؟ فبلغ ذلك ابن زياد فأمر له بألفين آخرين، ثم وجد الألفين فصارت أربعة آلاف فكان خيرا. وقيل لهند بنت أسماء بن خارجة - وكانت قد تزوجت بعده أزواجا من نواب العراق - من أعز أزواجك عندك وأكرمهم عليك؟ فقالت: ما أكرم النساء أحد إكرام بشير بن مروان، ولا هاب النساء هيبة الحجاج بن يوسف، ووددت أن القيامة قد قامت فأرى عبيد الله بن زياد وأشتفي من حديثه والنظر إليه - وكان أتى عذارتها - وقد تزوجت بالآخرين أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>