للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أستاذه المنصور علي بن المعز التركماني إلى هذه المدة، وهي أواخر (١) ذي القعدة نحوا (٢) من سنة، وجزاه عن الاسلام وأهله خيرا. وكان الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري قد اتفق مع جماعة من الامراء على قتله، فلما وصل إلى هذه المنزلة ضرب دهليزه وساق خلف أرنب، وساق معه أولئك الامراء فشفع عنده ركن الدين بيبرس في شئ (٣) فشفعه، فأخذ يده ليقبلها فأمسكها وحمل عليه أولئك الامراء بالسيوف فضربوه بها، وألقوه عن فرسه ورشقوه بالنشاب حتى قتلوه ، ثم كروا راجعين إلى المخيم وبأيديهم السيوف مصلتة، فأخبروا من هناك بالخبر، فقال بعضهم من قتله؟ فقالوا: ركن الدين بيبرس، فقالوا أنت قتلته؟ فقال: نعم، فقالوا: أنت الملك إذا، وقيل لما قتل حار الامراء بينهم فيمن يولون الملك، وصار كل واحد منهم يخشى غائلة ذلك، وأن يصيبه ما أصاب غيره سريعا، فاتفقت كلمتهم على أن بايعوا بيبرس البندقداري، ولم يكن هو من أكابر المقدمين، ولكن أرادوا أن يجربوا فيه، ولقبوه الملك الظاهر، فجلس على سرير المملكة وحكمه، ودقت البشائر وضربت الطبول والبوقات وصفرت الشغابة، وزعقت الشاووشية بين يديه، وكان يوما مشهودا وتوكل على الله واستعان به، ثم دخل مصر والعساكر في خدمته، فدخل قلعة الجبل وجلس على كرسيها، فحكم وعدل وقطع ووصل وولى وعزل، وكان شهما شجاعا أقامه الله للناس لشدة احتياجهم إليه في هذا الوقت الشديد والامر العسير، وكان أولا لقب نفسه بالملك القاهر، فقال له الوزير: إن هذا اللقب لا يفلح من يلقب به. تلقب به القاهر بن المعتمد فلم تطل أيامه حتى خلع وسملت عيناه، ولقب به القاهر صاحب الموصل فسم فمات، فعدل عنه حينئذ إلى الملك الظاهر، ثم شرع في مسك من يرى في نفسه رئاسة من أكابر الامراء حتى مهد الملك. وقد كان هولاكو خان لما بلغه ما جرى على جيشه من المسلمين بعين جالوت أرسل جماعة من جيشه الذين معه كثيرين ليستعيدوا الشام من أيدي المسلمين، فحيل بينهم وبين ما يشتهون فرجعوا إليه خائبين خاسرين، وذلك أنه نهض إليهم الهزبر الكاسر والسيف الباتر الملك الظاهر، فقدم دمشق وأرسل العساكر في كل وجه لحفظ الثغور والمعاقل بالأسلحة، فلم يقدر التتار على الدنو إليه، ووجدوا الدولة قد تغيرت، والسواعد قد شمرت، وعناية الله بالشام وأهله قد حصلت، ورحمته بهم قد نزلت، فعند ذلك نكصت شياطينهم على أعقابهم، وكروا راجعين القهقرى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وقد كان الملك المظفر قطز استناب على دمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي أحد الأتراك، فلما بلغه مقتل المظفر دخل القلعة ودعا


(١) في بدائع ابن إياس: يوم السبت خامس عشر ذي القعدة، وفي تاريخ أبي الفداء ٣/ ٢٠٧: سابع عشر ذي القعدة.
(٢) في تاريخ أبي الفداء: أحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما.
(٣) قال ابن إياس: انه أنعم عليه (أي على بيبرس) بجارية مليحة. وفي تاريخ أبي الفداء: شفع عنده في انسان فأجابه إلى ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>