للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعاظمني ذنبي فلما قرنته … بعفوك ربي كان عفوك أعظما

وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل … تجود وتعفو منة وتكرما

ولولاك لم يقدر لإبليس عابد … وكيف وقد أغوى صفيك آدما

رواه ابن عساكر. وروى أنهم وجدوا عند رأسه رقعة مكتوبا فيها بخطه:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة … فلقد علمت بأن عفوك أعظم

أدعوك ربي كما أمرت تضرعا … فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

إن كان لا يرجوك (١) إلا محسن … فمن الذي يرجو المسئ المجرم

مالي إليك وسيلة إلا الرجا … وجميل عفوك ثم أني مسلم

وقال يوسف بن الداية: دخلت عليه وهو في السياق فقلت: كيف تجدك؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال:

دب في الفناء سفلا وعلوا … وأراني أموت عضوا فعضوا

ليس يمضي من لحظة بي إلا … نقصتني مبرها في جزوا

ذهبت جدتي بلذة عيشي … وتذكرت طاعة الله نضوا

قد أسأنا كل الإساءة فاللهم … صفحا عنا وغفرا وعفوا

ثم مات من ساعته سامحنا الله وإياه آمين.

وقد كان نقش خاتمه لا إله إلا الله مخلصا، فأوصى أن يجعل في فمه إذا غسلوه ففعلوا به ذلك. ولما مات لم يجدوا له من المال سوى ثلاثمائة درهم وثيابه وأثاثة، وقد كانت وفاته في هذه السنة ببغداد ودفن في مقابر الشونيزي في تل اليهود. وله خمسون سنة. وقيل ستون سنة، وقيل تسع وخمسون سنة. وقد رآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بأبيات قلتها في النرجس:

تفكر في نبات الأرض وانظر … إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجين شاخصات … بأبصار هي الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات … بأن الله ليس له شريك

وفي رواية عنه أنه قال: غفر لي بأبيات قلتها وهي تحت وسادتي فجاؤوا فوجدوها برقعة في خطه:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة … فلقد علمت أن عفوك أعظم


(١) في الوفيات ٢/ ١٠٣:
يدعوك … فمن الذي يرجو ويدعو المجرم

<<  <  ج: ص:  >  >>