وأزيد منه، وذكر كتبا متواترة عن أهل المدينة، في كيفية ظهورها شرق المدينة من ناحية وادي شظا، تلقاء أحد، وأنها ملأت تلك الأودية، وأنه يخرج منها شرر يأكل الحجاز، وذكر أن المدينة زلزلت بسببها، وأنهم سمعوا أصوات مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام، أول ذلك مستهل الشهر يوم الاثنين (١)، فلم تزل ليلا ونهارا حتى ظهرت يوم الجمعة فانبجست تلك الأرض عند وادي شظا عن نار عظيمة جدا صارت مثل طوله أربعة فراسخ في عرض أربعة أميال وعمقه قامة ونصف، يسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك، ثم يصير كالفحم الأسود، وذكر أن ضوءها يمتد إلى تيماء بحيث كتب الناس على ضوئها في الليل، وكأن في بيت كل منهم مصباحا، ورأى الناس سناها من مكة شرفها الله، قلت: وأما بصرى فأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي قاسم التيمي الحنفي قال: أخبرني والدي، وهو الشيخ صفي الدين أحد مدرسي بصرى، أنه أخبره غير واحد من الاعراب صبيحة تلك الليلة من كان بحاضرة بلد بصرى، أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز، وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجأوا في هذه الأيام إلى المسجد النبوي، وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها، واستغفروا عند قبر النبي ﷺ مما سلف منهم وأعتقوا الغلمان، وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم وقد قال قائلهم في ذلك:
يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا … فقد أحاطت بنا يا رب بأساء
نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها … حملا ونحن بها حقا أحقاء
زلازل تخشع الصم الصلاد لها … وكيف تقوى على الزلزال صماء
أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت … عن منظر منه عين الشمس عشواء
بحر من النار تجري فوقه سفن … من الهضاب لها في الأرض إرساء
يرى لها شرر كالقصر طائشة … كأنها ديمة تنصب هطلاء
تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت … رعبا وترعد مثل الشهب أضواء
منها تكاثف في الجو الدخان إلى … أن عادت الشمس منها وهي دهماء
قد أثرت سعفة في البدر لفحتها … فليلة التم بعد النور ليلاء
فيالها آية من معجزات رسول … الله يعقلها القوم الألباء
ومما قيل من هذه النار مع غرق بغداد في هذه السنة:
سبحان من أصبحت مشيئته … جارية في الورى بمقدار
(١) ذكر القرطبي في التذكرة: قد خرجت نار بالحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرة.