للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَّهُ مِنَ الشَّرْقِ وَسَائِرُ حُجَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا أَمَرَ الْوَلِيدُ، وَرُوِّينَا أَنَّهُمْ لَمَّا حَفَرُوا الْحَائِطَ الشَّرْقِيَّ مِنْ حُجْرَةِ عَائِشَةَ بَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَخَشُوا أَنْ تَكُونَ قَدَمَ النَّبيّ (صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى تَحَقَّقُوا أَنَّهَا قَدَمُ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيُحْكَى أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَنْكَرَ إِدْخَالَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فِي الْمَسْجِدِ - كَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ الْقَبْرُ مَسْجِدًا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَنَّ الْوَلِيدَ كَتَبَ إِلَى مَلِكِ الرُّوم يَسْأَلُهُ أَنْ يَبْعَثَ لَهُ صُنَّاعًا لِلْبِنَاءِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمِائَةِ صَانِعٍ وَفُصُوصٍ كثيرة من أجل المسجد النبوي، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَتَبَ الْوَلِيدُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَحْفِرَ الْفَوَّارَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنْ يُجْرِيَ مَاءَهَا فَفَعَلَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْفِرَ الْآبَارَ وَأَنْ يُسَهِّلَ الطُّرُقَ وَالثَّنَايَا، وَسَاقَ إِلَى الْفَوَّارَةِ الْمَاءَ مِنْ ظَاهِرِ الْمَدِينَةِ، وَالْفَوَّارَةُ بُنِيَتْ فِي ظَاهِرِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بُقْعَةٍ رَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ.

وَفِيهَا غَزَا قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَلِكَ الترك كوربغانون (١) ابْنَ أُخْتِ مَلِكِ الصِّينِ، وَمَعَهُ مِائَتَا أَلْفِ مُقَاتِلٍ، مِنْ أَهْلِ الصُّغْدِ وَفَرْغَانَةَ وَغَيْرِهِمْ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَانَ مَعَ قُتَيْبَةَ نَيْزَكُ مَلِكُ التُّرْكِ مَأْسُورًا (٢) فَكَسَرَهُمْ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ وَغَنِمَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا وَسَبَى وَأَسَرَ.

وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا كَانَ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَخْبَرُوهُ عَنْ قِلَّةِ الْمَاءِ بِمَكَّةَ لِقِلَّةِ الْمَطَرِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَلَا نَسْتَمْطِرُ؟ فَدَعَا وَدَعَا النَّاسُ فَمَا زَالُوا يَدْعُونَ حَتَّى سُقُوا وَدَخَلُوا مَكَّةَ وَمَعَهُمُ الْمَطَرُ، وَجَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ حَتَّى خَافَ أَهْلُ مَكَّةَ

مِنْ شِدَّةِ الْمَطَرِ، وَمُطِرَتْ عَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ (٣) وَمِنًى، وَأَخْصَبَتِ الْأَرْضُ هَذِهِ السَّنَةَ خِصْبًا عَظِيمًا بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا، وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ دعاء عمر وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ.

وَكَانَ النُّوَّابُ عَلَى الْبُلْدَانِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ هُمُ الَّذِينَ كانوا قبلها.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرِ بْنِ أَبِي بُسر الْمَازِنِيُّ: صَحَابِيٌّ كَأَبِيهِ، سَكَنَ حِمْصَ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التابعين، قال الواقدي: تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، زَادَ غَيْرُهُ وَهُوَ آخِرُ مَنْ تُوَفِّيَ مِنَ الصَّحابة بالشَّام، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَعِيشُ قَرْنًا، فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ.

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى [و] علقمة بن خالد الحارث الخزاعي ثم الأسلمي، صحابي جليل،


(١) في ابن الاثير ٤ / ٥٣٣: كورنعابون، وفي ابن الاعثم ٧ / ٢٢٣.
لور معاينون وقد صححه محققه كما في الطبري كوربغانون.
(٢) في الطبري ٨ / ٦٦ وابن الاثير ٤ / ٥٣٣: وأبلى يومئذ نيزك وهو مع قتيبة.
وقد تقدم أن نيزك صالح قتيبة.
(٣) في الطبري ٨ / ٦٦: وجمع.
وفي ابن الاثير ٤ / ٥٣٤: ومطرت عرفة ومكة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>