للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيس بن سعد يُكَاتِبُهُمْ فِي الْبَاطِنِ وَيُمَالِئُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ، وروى ابن جرير أنه جاء من جهته كتاب مزور بمبايعته معاوية والله أعلم بصحته (١) .

ولما بلغ ذلك علياً فاتهمه وكتب له أن يغزوا أَهْلَ خِرِبْتَا الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْبَيْعَةِ، فَبَعَثَ إليه يعتذر إليه بأنهم عدد كثير، وَهُمْ وُجُوهُ النَّاسِ.

وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنْ كُنْتَ إنما أمرتني بهذا لتختبرني لأنك اتهمتني، فَابْعَثْ عَلَى عَمَلِكَ بِمِصْرَ غَيْرِي، فَبَعَثَ عَلِيٌّ على إمرة مصر الأشتر النخعي، فسار إليها الأشتر النخعي فَلَمَّا بَلَغَ الْقُلْزُمَ شَرِبَ شَرْبَةً مِنْ عَسَلٍ فَكَانَ فِيهَا حَتْفُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الشَّامِ فَقَالُوا: إِنَّ لِلَّهِ جُنْدًا مِنْ عَسَلٍ، فَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا مَهْلِكُ الْأَشْتَرِ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى إِمْرَةِ مِصْرَ، وَقَدْ قِيلَ وهو الأصح إن علياً ولى محمد بن أبي بكر بَعْدَ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، فَارْتَحَلَ قَيْسٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ رَكِبَ هُوَ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ إِلَى عَلِيٍّ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ فَعَذَرَهُ عَلِيٌّ، وَشَهِدَا مَعَهُ صِفِّينَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، فلم يزل محمد بن أبي بكر بمصر قائم الأمر مهيباً بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ صِفِّينَ، وَبَلَغَ أهل مصر خبر معاوية ومن معه من أهل الشَّام على قتال أهل العراق، وصاروا إلى التحكيم فطمع أَهْلُ مِصْرَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ واجترأوا عَلَيْهِ وَبَارَزُوهُ بِالْعَدَاوَةِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا سَنَذْكُرُهُ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدْ بَايَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْقِيَامِ بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ حِينَ أَرَادُوا حَصْرَهُ لِئَلَّا يَشْهَدَ مَهْلِكَهُ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَتِّبًا عليه بسبب عزله له عن ديار مصر وتوليته بدله عَلَيْهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فتسرح عن المدينة علي تغضب فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنَ الْأُرْدُنِّ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ صَارَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَبَايَعَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

في وقعة صفِّين بين أهل العراق وبين أهل الشام

قَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ.

أَنَّهُ قَالَ: " هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَاتُ الألوف فَلَمْ يَحْضُرْهَا مِنْهُمْ مِائَةٌ، بَلْ لَمْ

يَبْلُغُوا ثَلَاثِينَ " وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خلد قَالَ لِشُعْبَةَ إِنَّ أَبَا شَيْبَةَ رَوَى عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: " شَهِدَ صِفِّينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعُونَ رَجُلًا، فَقَالَ: كَذَبَ أَبُو شَيْبَةَ، وَاللَّهِ لَقَدْ ذَاكَرْنَا الْحَكَمَ فِي ذَلِكَ فَمَا وَجَدْنَاهُ شَهِدَ صِفِّينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ غَيْرَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ؟ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ شَهِدَهَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَكَذَا أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ.

قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضَةِ - وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ قَالَ: أَمَا إنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ فَلَمْ يَخْرُجُوا إِلَّا إلى قبورهم.


(١) راجع نص هذا الكتاب المختلق على قول الطبري في تاريخه ٥ / ٢٣٠.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>