للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فإنَّه لَمَّا فَرَغَ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَدَخَلَ الْبَصْرَةَ وَشَيَّعَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ لَمَّا أَرَادَتِ الرُّجُوعَ إِلَى مَكَّةَ، سَارَ مِنَ الْبَصْرَةِ إلى الكوفة قال أبو الكنود عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدٍ فَدَخَلَهَا عَلِيٌّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ (١) لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَقِيلَ لَهُ: انْزِلْ بِالْقَصْرِ الْأَبْيَضِ، فقال: لا! أن عمر بن الخطاب كَانَ يَكْرَهُ نُزُولَهُ فَأَنَا أَكْرَهُهُ لِذَلِكَ، فَنَزَلَ فِي الرَّحْبَةِ وَصَلَّى فِي الْجَامِعِ الْأَعْظَمِ رَكْعَتَيْنِ، ثم خطب فَحَثَّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ، وَمَدَحَ أَهْلَ الْكُوفَةِ فِي خُطْبَتِهِ هَذِهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - وَكَانَ عَلَى هَمَذَانَ مِنْ زَمَانِ عُثْمَانَ - وَإِلَى الْأَشْعَثِ بْنِ قيس - وهو على نيابة أذربيجان من زمان عثمان - أن يأخذا البيعة على من هنالك من الرعايا ثُمَّ يُقْبِلَا إِلَيْهِ، فَفَعَلَا ذَلِكَ.

فَلَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُوهُ إِلَى بَيْعَتِهِ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أنَّا أَذْهَبُ إِلَيْهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ودَّاً، فآخذ لك منه البيعة، فَقَالَ الْأَشْتَرُ: لَا تَبْعَثْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَوَاهُ مَعَهُ.

فَقَالَ علي: دعه، وبعثه وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَى مُعَاوِيَةَ يُعْلِمُهُ بِاجْتِمَاعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى بَيْعَتِهِ (٢) ، وَيُخْبِرُهُ بِمَا كَانَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ، وَيَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ.

فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ جَرِيرُ بن عبد الله أعطاه الكتاب فطلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أَهْلِ الشَّامِ فَاسْتَشَارَهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوا حَتَّى يَقْتُلَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، أَوْ أَنْ يُسلم إِلَيْهِمْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ

قَاتَلُوهُ وَلَمْ يبايعوه حتى يقتل قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

فَرَجَعَ جَرِيرٌ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالُوا، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين ألم أنهك أَنْ تَبْعَثَ جَرِيرًا؟ فَلَوْ كُنْتَ بَعَثْتَنِي لَمَا فَتَحَ مُعَاوِيَةُ بَابًا إِلَّا أَغْلَقْتُهُ.

فَقَالَ لَهُ جَرِيرٌ: لَوْ كُنْتَ ثَمَّ لَقَتَلُوكَ بِدَمِ عُثْمَانَ.

فقال الأشتر: والله لو بعثتني لَمْ يُعْيِنِي جَوَابُ مُعَاوِيَةَ وَلَأُعْجِلَنَّهُ عَنِ الْفِكْرَةِ، ولو أطاعني قبل لحبسك وأمثالك حتى يستقيم أمر الأمة، فقام جرير مُغضباً وأقام بقرقيسيا، وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُخْبِرُهُ بِمَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ عليه وخرج أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ الْكُوفَةِ عَازِمًا عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الشَّامِ فَعَسْكَرَ بِالنُّخَيْلَةِ (٣) وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْكُوفَةِ أَبَا مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بن عامر الْبَدْرِيَّ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ قَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ بِأَنْ يُقِيمَ بِالْكُوفَةِ وَيَبْعَثَ الْجُنُودَ وَأَشَارَ آخَرُونَ أن يخرج فيهم بِنَفْسِهِ، وَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَلِيًّا قَدْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَاسْتَشَارَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ: اخرج أنت أيضاً بِنَفْسِكَ، وَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ صَنَادِيدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ قَدْ تَفَانَوْا يَوْمَ الْجَمَلِ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ عَلِيٍّ إلا شرذمةٌ قليلةٌ من النَّاس، ممَّن قتل، وقد قتل الخليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فالله


(١) كذا بالاصل ومروج الذهب والاخبار الطوال، وفي فتوح ابن الاعثم ٢ / ٣٤٧: لستة عشر يوما خلت ... (٢) في فتوح ابن الاعثم ٢ / ٣٥٢: أن علي كتب كتاباً إلى معاوية وأرسله مع الحجاج بن عمرو بن غزية الانصاري وذلك قبل إرساله جرير بن عبد الله إلى معاوية.
وانظر كتاب علي إلى معاوية مع جرير بن عبد الله في الاخبار الطوال ص ١٥٧.
وفتوح ابن الاعثم ٢ / ٣٧٤.
(٣) النخيلة: تصغير نخلة، موضع قرب الكوفة على سمت الشام (معجم البلدان) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>