للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب، كان أبوه علي زين العابدين، وجده الحسين قتلا شهيدين بالعراق.

وسمي الباقر لبقره العلوم واستنباطه الحكم، كان ذاكراً خاشعاً صابراً وكان من سلالة النبوة، رفيع النسب عالي الحسب، وكان عارفاً بالخطرات، كثير البكاء والعبرات معرضاً عن الجدال والخصومات.

قال أبو بلال الأشعري: حدثنا محمد بن مروان، عن ثابت، عن محمد بن علي بن الحسين في قوله تعالى: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بما صبروا) [الفرقان: ٧٥] قال: الغرفة الجنة بما صبروا على الفقر في الدنيا.

وقال عبد السلام بن حرب، عن زيد بن خيثمة عن أبي جعف قال: الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن، ولا تصيب الذاكر.

قلت: وقد روى نحو هذا عن ابن عباس قال: لو

نزل من السماء صواعق عدد النجوم لم تصب الذاكر.

وقال جابر الجعفي: قال لي محمد بن علي: يا جابر إني لمحزون، وإني لمشتغل القلب.

قلت: وما حزنك وشغل قلبك؟ قال: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي دين الله عزوجل شغله عما سواه، يا جابر ما الدنيا؟ وما عسى أن تكون؟ هل هي إلا مركباً ركبته؟ أو ثوباً لبسته؟ أو امرأةً أصبتها؟ يا جابر! إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها، ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم، ولم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، ولم يعمهم عن نور الله ما رأوا بأعينهم من الزينة ففازوا بثواب الأبرار.

إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤنة، وأكثرهم لك معونة، إن نسيت ذكروك، وإن ذكرت أعانوك، قوالين بحق الله، قوامين بأمر الله، قطعوا لمحبة ربهم عزوجل، ونظروا إلى الله وإلى محبته بقلوبهم، وتوحشوا من الدنيا لطاعة محبوبهم، وعلموا إِنَّ ذَلِكَ مِنْ أمر خالقهم، فأنزلوا الدنيا حيث أنزلها مليكهم كمنزل نزلوه ثم ارتحلوا عنه وتركوه، وكماء (١) أصبته في منامك فلما استيقظت إذا ليس في يدك منه شئ، فاحفظ الله فيما استرعاك من دينه وحكمته.

وقال خالد بن يزيد: سمعت محمد بن علي يقول: قال عمر بن الخطاب: إذا رأيتم القارئ يحب الأغنياء فهو صاحب الدنيا، وإذا رأيتموه يلزم السلطان فهو لص، وكان أبو جعفر يصلي كل يوم وليلة بالمكتوبة.

وروى ابن أبي الدنيا عنه قال: سلاح اللئام قبيح الكلام.

وروى أبو الأحوص عن منصور عنه قال: لكل شئ آفة، وآفة العلم النسيان.

وقال لابنه: إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل خبيثة، إنك إذا كسلت لم تؤد حقاً، وإن ضجرت لم تصبر على حق.

وقال: أشد الأعمال ثلاثة ذكر اللَّهُ عَلَى كُلِّ حال، وإنصافك من نفسك، ومواساة الأخ في المال.

وقال خلف بن


(١) في صفة الصفوة ٢ / ١٠٩: وكمال.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>