للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ساعتي مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاث علامات مضروبات، علم بالمشرق، وعلم بالمغرب، وعلم على ظهر الكعبة، فأخذني المخاض واشتد بي الطلق جدا، فكنت كأني مسندة إلى أركان النساء، وكثرن علي حتى كأني مع البيت وأنا لا أرى شيئا، فولدت محمدا، فلما خرج من بطني درت فنظرت إليه فإذا هو ساجد وقد رفع أصبعيه كالمتضرع المبتهل، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء تنزل حتى غشيته، فغيب عن عيني، فسمعت مناديا ينادي يقول: طوفوا بمحمد شرق الأرض وغربها، وأدخلوه البحار كلها، ليعرفوه باسمه ونعته وصورته، ويعلموا أنه سمي الماحي، لا يبقى شئ من الشرك إلا محي به، قالت، ثم تخلوا عنه في أسرع وقت فإذا أنابه مدرج في ثوب صوف أبيض، أشد بياضا من اللبن، وتحته حريرة خضراء، وقد قبض محمد ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض، وإذا قائل يقول، قبض محمد مفاتيح النصر، ومفاتيح الريح، ومفاتيح النبوة … هكذا أورده وسكت عليه، وهو غريب جدا … وقال الشيخ جمال الدين أبو زكريا، يحيى بن يوسف بن منصور بن عمر الأنصاري الصرصري (١)، الماهر الحافظ للأحاديث واللغة، ذو المحبة الصادقة لرسول الله ، فلذلك يشبه في عصره بحسان بن ثابت ، وفي ديوانه المكتوب عنه في مديح رسول الله ، وقد كان ضرير البصر، بصير البصيرة، وكانت وفاته ببغداد في سنة ست وخمسين وستمائة، قتله التتار في كل بنة (٢) بغداد كما سيأتي ذلك في موضعه، في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى، وبه الثقة، وعليه التكلان، قال في قصيدته من حرف الحاء المهملة من ديوانه:

محمد المبعوث للناس رحمة … يشيد ما أوهى الضلال ويصلح

لئن سبحت صم الجبال مجيبة … لداود أو لان الحديد المصفح

فإن الصخور الصم لانت بكفه … وإن الحصا في كفه ليسبح

وإن كان موسى أنبع الماء من العصا … فمن كفه قد أصبح الماء يطفح

وإن كانت الريح الرخاء مطيعة … سليمان لا تألو تروح وتسرح

فإن الصبا كانت لنصر نبينا … برعب على شهر به الخصم يكلح

وإن أوتي الملك العظيم وسخرت … له الجن تشفي مارضيه وتلدح (٣)

فإن مفاتيح الكنوز بأسرها … أتته فرد الزاهد المترجح

وإن كان إبراهيم أعطي خلة … وموسى بتكليم على الطور يمنح

فهذا حبيب بل خليل مكلم … وخصص بالرؤيا وبالحق أشرح


(١) الصرصري نسبة إلى صرصر وهي قرية قريبة من بغداد، اشتهر بمدائحه للرسول صلى الله عليه وآله وشعره طبقه عالية، كان فصيحا بليغا، كان ضريرا وقد قتله التتار فيما قاله الذهبي.
(٢) كذا بالأصل.
(٣) تلدح: من اللدح وهو الضرب باليد.

<<  <  ج: ص:  >  >>