للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت إن شئتما دفعتها إليكما بذلك، فتلتمسان مني قضاء غير ذلك! فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها (١). وقد رواه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه، ومسلم وأهل السنن من طرق عن الزهري به. وفي رواية في الصحيحين فقال عمر: فوليها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله والله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق، ثم وليتها فعملت فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر، والله يعلم أني صادق بار راشد تابع للحق. ثم جئتماني فدفعتها إليكما لتعملا فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر وعملت فيها أنا، أنشدكم بالله أدفعتها إليهما بذلك؟ قالوا: نعم. ثم قال لهما. أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم، قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك! لا والذي بإذنه تقوم السماء والأرض. وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن الزهري عن مالك بن أوس قال: سمعت عمر يقول لعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد: نشدتكم بالله الذي تقوم السماء والأرض بأمره أعلمتم أن رسول الله . قال: " لا نورث ما تركنا صدقة؟ " قالوا نعم! على شرط الصحيحين.

قلت: وكل الذي سألاه - بعد تفويض النظر إليهما والله أعلم - هو أن يقسم بينهما النظر فيجعل لكل واحد منهما نظر ما كان يستحقه بالأرض لو قدر أنه كان وارثا، وكأنهما قدما بين أيديهما جماعة من الصحابة منهم عثمان وابن عوف وطلحة والزبير وسعد، وكان قد وقع بينهما خصومة شديدة بسبب إشاعة النظر بينهما، فقالت الصحابة الذين قدموهم بين أيديهم: يا أمير المؤمنين اقض بينهما، أو أرح أحدهما من الآخر. فكأن عمر تحرج من قسمة النظر بينهما بما يشبه قسمة الميراث ولو في الصورة الظاهرة محافظة على امتثال قوله " لا نورث ما تركنا صدقة " فامتنع عليهم كلهم وأبى من ذلك أشد الاباء وأرضاه. ثم إن عليا والعباس استمرا على ما كانا عليه ينظران فيها جميعا إلى زمان عثمان بن عفان، فغلبه عليها علي وتركها له العباس بإشارة ابنه عبد الله بين يدي عثمان، كما رواه أحمد في مسنده. فاستمرت في أيدي العلويين. وقد تقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر ، فإني ولله الحمد جمعت لكل واحد منهما مجلدا ضخما ما رواه عن رسول الله ، ورآه من الفقه النافع الصحيح، ورتبته على أبواب الفقه المصطلح عليها اليوم. وقد روينا أن فاطمة احتجت أولا بالقياس وبالعموم في الآية الكريمة، فأجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النبي، وأنها سلمت له ما قال. وهذا هو المظنون بها . وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت؟ قال ولدي وأهلي، قالت: فما لنا لا نرث رسول الله ؟ فقال: سمعت


(١) أخرجه البخاري في كتاب الفرائض حديث ٦٧٢٨. فتح الباري ١٢/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>