للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا. فقال: ويحك لو غير علي كان أهون علي؟ قد عرفت سابقته في الاسلام وقرابته من رسول الله فما أجدني أنشرح صدرا لقتله. فقال: أما تعلم أنه قتل أهل النهروان؟ فقال: بلى قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا. فأجابه إلى ذلك بعد لأي ودخل شهر رمضان فواعدهم ابن ملجم ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت (١)، وقال: هذه الليلة التي واعدت أصحابي فيها أن يثأروا بمعاوية وعمرو بن العاص فجاء هؤلاء الثلاثة - وهم ابن ملجم، ووردان، وشبيب - وهم مشتملون على سيوفهم فجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة، ويقول: الصلاة الصلاة فثار إليه شبيب بالسيف فضربه فوقع في الطاق، فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه فسال دمه على لحيته ، ولما ضربه ابن ملجم قال: لا حكم إلا لله ليس لك يا علي ولا لأصحابك، وجعل يتلو قوله تعالى … (ومن الناس من يشرط نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) * [البقرة: ٢٠٧] ونادى علي: عليكم به، وهرب وردان فأدركه رجل من حضرموت فقتله، وذهب شبيب فنجا بنفسه وفات الناس، ومسك ابن ملجم وقدم على جعدة بن هبيرة بن أبي وهب فصلى بالناس صلاة الفجر، وحمل علي إلى منزله، وحمل إليه عبد الرحمن بن ملجم فأوقف بين يديه وهو مكتوف - قبحه الله - فقال له: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟ قال: بلى: قال. فما حملك على هذا: قال؟ شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، فقال له علي لا أراك إلا مقتولا به، ولا أراك إلا من شر خلق الله، ثم قال: إن مت فاقتلوه وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به، فقال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين إن مت نبايع الحسن؟ فقال لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر. ولما احتضر علي جعل يكثر من قول لا إله إلا الله، لا يتلفظ بغيرها. وقد قيل إن آخر ما تكلم به … (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * [الزلزلة: ٧]. وقد أوصى ولديه الحسن والحسين بتقوى الله والصلاة والزكاة وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عن الجاهل والتفقه في الدين والتثبيت في الامر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش، ووصاهما بأخيهما محمد بن الحنفية ووصاه بما وصاهما به، وأن يعظمهما ولا يقطع أمرا دونهما وكتب ذلك كله في كتاب وصيته وأرضاه. وصورة الوصية: " بسم الله الرحمن الرحيم! هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، أوصيك يا حسن وجميع ولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم


(١) كذا بالأصل والطبري والكامل، وفي فتوح ابن الأعثم: يوم ثالث وعشرين من شهر رمضان، وفي شرح النهج
٢/ ١٧٥: تسع عشرة. وفي الكامل للمبرد ص/ ٥٥٠: إحدى وعشرين من شهر رمضان.

<<  <  ج: ص:  >  >>