للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحِفْظًا وَإِتْقَانًا * ثُمَّ هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا.

وَمَنْ تَأَوَّلَهُ بِتِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا فَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى.

وَمَا فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَقْوَى مَسْلَكًا مِنَ الْجَبْرِيَّةِ.

وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ * (أَحَدُهَا) أنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَلُومُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ فَاعِلُهُ (الثَّانِي) أنَّه قَدْ قَتَلَ نَفْسًا لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهَا وَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ) (١) الْآيَةَ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَوَابُ عَنِ اللَّوْمِ عَلَى الذَّنْبِ بِالْقَدَرِ الْمُتَقَدِّمِ كِتَابَتُهُ عَلَى العبد لا نفتح هَذَا لِكُلِّ مَنْ لِيمَ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فَعَلَهُ فَيَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ السَّابِقِ فَيَنْسَدُّ بَابُ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَلَوْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لَاحْتَجَّ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ فِي الْأُمُورِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَهَذَا يُفْضِي إِلَى لَوَازِمَ فَظِيعَةٍ.

فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ جَوَابَ آدَمَ إِنَّمَا كَانَ احْتِجَاجًا بِالْقَدَرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ لَا الْمَعْصِيَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

الأحاديث الواردة في خلق آدم

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (٢) حَدَّثَنَا يَحْيَى [بْنُ سَعِيدٍ] وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَوْفٌ حَدَّثَنِي قَسَامَةُ بْنُ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ فَجَاءَ مِنْهُمُ الْأَبْيَضُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ.

وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَبَيْنَ ذَلِكَ ".

وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ هَوْذَةَ عَنْ عَوْفٍ عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ سَمِعْتُ الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: " إن الله خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ فَجَاءَ (٣) مِنْهُمُ الْأَبْيَضُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ.

وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَبَيْنَ ذَلِكَ.

وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَبَيْنَ ذَلِكَ ".

وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ الْمَازِنِيِّ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: (فَبَعَثَ الله عزوجل جِبْرِيلَ فِي الْأَرْضِ لِيَأْتِيَهُ بِطِينٍ مِنْهَا فَقَالَتِ الْأَرْضُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ أَنْ تَنْقُصَ مِنِّي أَوْ تَشِينَنِي فَرَجَعَ وَلَمْ يَأْخُذْ وَقَالَ رَبِّ: إِنَّهَا عَاذَتْ بِكَ فَأَعَذْتُهَا فَبَعَثَ مِيكَائِيلَ فَعَاذَتْ مِنْهُ فَأَعَاذَهَا فَرَجَعَ فَقَالَ كَمَا قَالَ جِبْرِيلُ فَبَعَثَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَعَاذَتْ مِنْهُ فَقَالَ وَأَنَا أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَرْجِعَ وَلَمْ أُنَفِّذْ أَمْرَهُ فَأَخَذَ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَخَلَطَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ من مكان واحد


(١) سورة القصص الآية ١٦.
(٢) مسند أحمد ج ٤ / ٤٠٠، ٤٠٦.
(٣) في المسند ج ٤ / ٤٠٦: جعل منهم.
الحزن: ما غلظ من الارض.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>