زدنا فقال: اللهم إنا نسألك بالقدرة التي قلت للسموات والأرض (ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين)[فصلت: ١١] اللهم وفقنا لمرضاتك، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ونعوذ بك من الذل إلا لك، اللهم لا تكثر لنا فنطغى ولا تقل علينا فننسى، وهب لنا من رحمتك وسعة رزقك ما يكون بلاغا لنا في دنيانا، وغنى من فضلك. قال البيهقي: وفي حكاية أبي الفضل التميمي عن أحمد: وكان يدعو في السجود: اللهم من كان من هذه الأمة على غير الحق وهو يظن أنه على الحق فرده إلى الحق ليكون من أهل الحق. وكان يقول: اللهم إن قبلت عن عصاة أمة محمد ﷺ فداء فاجعلني فداء لهم. وقال صالح بن أحمد: كان أبي لا يدع أحدا يستقي له الماء للوضوء، بل كان يلي ذلك بنفسه، فإذا خرج الدلو ملآن قال: الحمد لله. فقلت: يا أبة ما الفائدة بذلك؟ قال: يا بني أما سمعت قول الله ﷿(أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين)[الملك: ٣٠] والاخبار عنه في هذا الباب كثيرة جدا. وقد صنف أحمد في الزهد كتابا حافلا عظيما لم يسبق إلى مثله، ولم يلحقه أحد فيه. والمظنون بل المقطوع به أنه إنما كان يأخذ بما أمكنه منه ﵀.
وقال إسماعيل بن إسحاق السراج: قال لي أحمد بن حنبل: هل تستطيع أن تريني الحارث المحاسبي إذا جاء منزلك؟ فقلت: نعم! وفرحت بذلك، ثم ذهبت إلى الحارث فقلت له: إني أحب أن تحضر الليلة عندي أنت وأصحابك. فقال: إنهم كثير فأحضر لهم التمر والكسب. فلما كان بين العشاءين جاؤوا وكان الإمام أحمد قد سبقهم فجلس في غرفة بحيث يراهم ويسمع كلامهم ولا يرونه، فلما صلوا العشاء الآخرة لم يصلوا بعدها شيئا، بل جاؤوا فجلسوا بين يدي الحارث سكوتا مطرقي الرؤوس، كأنما على رؤوسهم الطير، حتى إذا كان قريبا من نصف الليل سأله رجل مسألة فشرع الحارث يتكلم عليها وعلى ما يتعلق بها من الزهد والورع والوعظ، فجعل هذا يبكي وهذا يئن وهذا يزعق، قال: فصعدت إلى الإمام أحمد إلى الغرفة فإذا هو يبكي حتى كاد يغشى عليه، ثم لم يزالوا كذلك حتى الصباح، فلما أرادوا الانصراف قلت: كيف رأيت هؤلاء يا أبا عبد الله؟ فقال: ما رأيت أحدا يتكلم في الزهد مثل هذا الرجل، وما رأيت مثل هؤلاء، ومع هذا فلا أرى لك أن تجتمع بهم. قال البيهقي: يحتمل أنه كره له صحبتهم لان الحارث بن أسد، وإن كان زاهدا، فإنه كان عنده شئ من علم الكلام، وكان أحمد يكره ذلك، أو كره له صحبتهم من أجل أنه لا يطيق سلوك طريقتهم وما هم عليه من الزهد والورع. قلت: بل إنما كره ذلك لان في كلامهم من التقشف وشدة السلوك التي لم يرد بها الشرع والتدقيق والمحاسبة الدقيقة البليغة ما لم يأت بها أمر، ولهذا لما وقف أبو زرعة الرازي على كتاب الحارث المسمى بالرعاية قال: هذا بدعة. ثم قال للرجل الذي جاء بالكتاب: عليك بما كان عليه مالك والثوري والأوزاعي والليث، ودع عنك هذا فإنه بدعة. وقال إبراهيم الحربي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إن أحببت أن يدوم الله لك على ما تحب فدم له على ما يحب. وقال: الصبر على الفقر مرتبة لا ينالها إلا الأكابر. وقال: الفقر أشرف من الغنى، فإن الصبر عليه مرارة وانزعاجه أعظم حالا من الشكر. وقال: لا أعدل بفضل الفقر شيئا. وكان يقول: على العبد أن يقبل الرزق بعد اليأس،