للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: زاده عثمان بن عفان متأولا قوله : " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة " ووافقه الصحابة الموجودون على ذلك ولم يغيروه بعده، فيستدل بذلك على الراجح من قول العلماء أن حكم الزيادة حكم المزيد فتدخل الزيادة في حكم سائر المسجد من تضعيف الصلاة فيه وشد الرحال إليه، وقد زيد في زمان الوليد بن عبد الملك باني جامع دمشق زاده له بأمره عمر بن عبد العزيز حين كان نائبه على المدينة وأدخل الحجرة النبوية فيه كما سيأتي بيانه في وقته، ثم زيد زيادة كثيرة فيما بعد، وزيد من جهة القبلة حتى صارت الروضة والمنبر بعد الصفوف المقدمة كما هو المشاهد اليوم.

قال ابن إسحاق: ونزل رسول الله على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه؟ وعمل فيه رسول الله ليرغب المسلمين في العمل فيه. فعمل فيه المهاجرون والأنصار ودأبوا فيه. فقال قائل من المسلمين:

لئن قعدنا والنبي يعمل … لذلك منا العمل المضلل

وارتجز المسلمون وهم يبنونه يقولون:

لا عيش إلا عيش الآخرة … اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة

فيقول رسول الله : " لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم ارحم المهاجرين والأنصار " قال فدخل عمار بن ياسر وقد أثقلوه باللبن فقال: يا رسول قتلوني يحملون علي ما لا يحملون. قالت أم سلمة: فرأيت رسول الله ينفض وفرته بيده - وكان رجلا جعدا - وهو يقول: " ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما يقتلك الفئة الباغية " وهذا منقطع من هذا الوجه بل هو معضل بين محمد بن إسحاق وبين أم سلمة وقد وصله مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن خالد الحذاء عن سعيد والحسن - يعني ابني أبي الحسن البصري - عن أمهما خيرة مولاة أم سلمة عن أم سلمة قالت: قال: رسول الله : " تقتل عمار الفئة الباغية " ورواه من حديث ابن علية عن ابن عون عن الحسن عن أمه عن أم سلمة أن رسول الله قال لعمار وهو ينقل الحجارة: " ويح لك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية " (١) وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الحسن يحدث عن أمه عن أم سلمة قالت: لما كان رسول الله وأصحابه يبنون المسجد، جعل أصحاب النبي يحمل كل واحد لبنة لبنة، وعمرا يحمل لبنتين لبنة عنه ولبنة عن النبي فمسح ظهره. وقال " ابن سمية، للناس أجر ولك أجران، وآخر زادك شربة من لبن وتقتلك الفئة


(١) - أخرج الحديث مسلم عن أم سلمة من طرق متعددة في كتاب الفتن ٤/ ٢٣٣٥ - ٢٣٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>