للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ دَاوُدَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ فَمَا فُتِنُوا وَلَا بَدَّلُوا وَلَقَدْ مَكَثَ أَصْحَابُ الْمَسِيحِ عَلَى سُنَّتِهِ وَهَدْيِهِ مِائَتَيْ سَنَةٍ " (١) .

وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَإِنْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ (٢) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وصى الحواريين بأن يدعو النَّاس إليَّ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَعَيَّنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ فِي إِقْلِيمٍ مِنَ الْأَقَالِيمِ مِنَ الشَّامِ وَالْمَشْرِقِ وَبِلَادِ الْمَغْرِبِ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ أَصْبَحَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُ الْمَسِيحُ إِلَيْهِمْ.

وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْإِنْجِيلَ نَقَلَهُ عَنْهُ أَرْبَعَةٌ لُوقَا وَمَتَّى وَمُرْقُسُ وَيُوحَنَّا، وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَنَاجِيلِ الْأَرْبَعَةِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ نُسْخَةٍ وَنُسْخَةٍ وَزِيَادَاتٌ كَثِيرَةٌ وَنَقْصٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُخْرَى وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ مِنْهُمُ اثْنَانِ مِمَّنْ أَدْرَكَ الْمَسِيحَ وَرَآهُ وَهُمَا مَتَّى وَيُوحَنَّا ومنهم اثنين من أصحاب أصحابه وَهُمَا مُرْقُسُ وَلُوقَا.

وَكَانَ مِمَّنْ آمَنَ بِالْمَسِيحِ وَصَدَّقَهُ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ضِينَا وَكَانَ مُخْتَفِيًا فِي مَغَارَةٍ دَاخِلَ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ قَرِيبًا مِنَ الْكَنِيسَةِ الْمُصَلَّبَةِ خَوْفًا مِنْ بولس الْيَهُودِيِّ وَكَانَ ظَالِمًا غَاشِمًا مُبْغِضًا لِلْمَسِيحِ، وَلَمَّا جَاءَ بِهِ.

وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَ ابْنِ أَخِيهِ حِينَ آمَنَ بِالْمَسِيحِ وَطَافَ بِهِ فِي الْبَلَدِ.

ثُمَّ رَجَمَهُ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَلَمَّا سَمِعَ بُولِصُ أَنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَ دِمَشْقَ جَهَّزَ بِغَالَهُ وَخَرَجَ لِيَقْتُلَهُ فَتَلَقَّاهُ عِنْدَ كَوْكَبَا، فَلَمَّا وَاجَهَ أَصْحَابَ الْمَسِيحِ، جَاءَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَضَرَبَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ جَنَاحِهِ

فَأَعْمَاهُ.

فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ تَصْدِيقُ الْمَسِيحِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ وَاعْتَذَرَ مِمَّا صَنَعَ وَآمَنَ بِهِ فَقَبِلَ مِنْهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَيْنَيْهِ لِيَرُدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ، فَقَالَ اذْهَبْ إِلَى ضِينَا عِنْدَكَ بِدِمَشْقَ فِي طَرَفِ السُّوقِ الْمُسْتَطِيلِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَهُوَ يَدْعُو لَكَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ فَدَعَا فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَحَسُنَ إِيمَانُ بُولِصَ بِالْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَبُنِيَتْ لَهُ كَنِيسَةٌ بِاسْمِهِ فَهِيَ كَنِيسَةُ بُولِصَ الْمَشْهُورَةُ بِدِمَشْقَ مِنْ زَمَنِ فَتَحَهَا الصحابة رضي الله عنهم حتى خربت.

فَصْلُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ رفعه إلى السماء عَلَى أَقْوَالٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عبَّاس وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) [الصف: ١٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: قَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ: كَانَ فِينَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَرُفِعَ إلى


(١) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٠٧ وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات وفي بعضهم خلاف.
(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٢٤: عين فطرس إلى رومية وتوماس إلى أرض بابل من أرض المشرق، وفيليبس إلى أرض القيروان وقرطاجنة وهي افريقيا ويحنس إلى دفسوس وابن تلما إلى أرض الحجاز وسيمن إلى أرض البربر دون أفريقيا ويعقوبس إلى أوري شلم.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>