للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَفْهَمُ كَلَامَ الطَّير والنَّملة كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (وَقَالَ يأيها النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطير) * [النمل: ١٦] الآية وقال: * (فلما أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا

النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قولها) * [النمل: ١٨] الآية.

قِيلَ: قَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مِثْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَدْ تقدَّم ذِكْرُنَا لِكَلَامِ الْبَهَائِمِ والسِّباع وَحَنِينِ الْجِذْعِ وَرُغَاءِ الْبَعِيرِ وَكَلَامِ الشَّجر وَتَسْبِيحِ الْحَصَا وَالْحَجْرِ، وَدُعَائِهِ إيَّاه واستجابته لأمره، وإقرار الذِّئب بنبوَّته، وتسبيح الطَّير لِطَاعَتِهِ، وَكَلَامِ الظَّبية وَشَكْوَاهَا إِلَيْهِ، وَكَلَامِ الضَّب وَإِقْرَارِهِ بنبوَّته، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، كلُّ ذلك قد تقدَّم فِي الْفُصُولِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ.

انْتَهَى كَلَامُهُ.

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ أَخْبَرَهُ ذِرَاعُ الشَّاة بِمَا فِيهِ مِنَ السُّم وَكَانَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ مَنْ وَضَعَهُ فِيهِ مِنَ الْيَهُودِ، وَقَالَ إنَّ هَذِهِ السَّحابة لتبتهل بِنَصْرِكَ يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ - يَعْنِي الْخُزَاعِيَّ - حِينَ أَنْشَدَهُ تِلْكَ الْقَصِيدَةَ يَسْتَعْدِيهِ فِيهَا عَلَى بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ نَقَضُوا صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا تقدَّم وَقَالَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا كان يسلم علي بمكة قبل أن أبعث، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ * فَهَذَا إِنْ كَانَ كَلَامًا مما يليق بحاله ففهم عنه الرَّسول ذَلِكَ، فَهُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَأَبْلَغُ، لِأَنَّهُ جَمَادٌ بالنِّسبة إِلَى الطَّير والنَّمل، لِأَنَّهُمَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ، وَإِنْ كَانَ سَلَامًا نُطْقِيًّا وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَهُوَ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا، كَمَا قَالَ عَلِيٌّ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ شِعَابِ مكَّة، فَمَا مرَّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ وَلَا مَدَرٍ إِلَّا قَالَ: السَّلام عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَذَا النُّطق سَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * ثُمَّ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن محمد بن الحارث العنبريّ، حدثنا أحمد بن يوسف بن سفيان، حدثنا إبراهيم بن سويد النَّخعيّ، حدَّثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُذَيْنَةَ الطَّائيّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ معلاة بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَتَى النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم - وَهُوَ بِخَيْبَرَ - حِمَارٌ أَسْوَدُ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا عمرو بن فهران، كنَّا سبعة إخوة ولكنا رَكِبَنَا الْأَنْبِيَاءُ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ، وَكُنْتُ لَكَ فَمَلَكَنِي رجل من اليهود، وكنت إذ أذكرك عثرت بِهِ فَيُوجِعُنِي ضَرْبًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَأَنْتَ يَعْفُورٌ * وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ نكارة شديدة ولا يحتاج إِلَى ذِكْرِهِ مَعَ مَا تقدَّم مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحيحة الَّتِي فِيهَا غُنْيَةٌ عَنْهُ.

وَقَدْ رُوِيَ على غير هذه الصِّفة، وَقَدْ نَصَّ عَلَى نَكَارَتِهِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن أبيه، والله أعلم.

القول فيما أوتي عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

ويسمَّى الْمَسِيحُ، فَقِيلَ: لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ، وَقِيلَ: لِمَسْحِ قَدَمِهِ، وَقِيلَ، لِخُرُوجِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بالدِّهان، وَقِيلَ: لِمَسْحِ جِبْرِيلَ بِالْبَرَكَةِ، وَقِيلَ: لِمَسْحِ اللَّهِ الذُّنوب عَنْهُ، وَقِيلَ: لأنَّه كان لا يمسح أحداً إلا برأ.

حَكَاهَا كلَّها الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَمِنْ خَصَائِصِهِ أنَّه عَلَيْهِ السَّلَامُ مَخْلُوقٌ بِالْكَلِمَةِ مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ، كَمَا خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى، وَكَمَا خُلِقَ آدَمُ لَا مِنْ ذَكَرٍ وَلَا مِنْ أُنْثَى، وإنَّما خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ.

وَكَذَلِكَ يَكُونُ عِيسَى

<<  <  ج: ص:  >  >>