للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ما عداه وقد روى الحافظ ابن عساكر هذا الحديث أيضا من طريق إسماعيل بن حفص بن عمر الأيلي، حدثنا عثمان وأبو جزي وهمام بن يحيى، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن ابن عباس عن النبي قال: " إنما سمي الخضر خضرا لأنه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء ". وهذا غريب من هذا الوجه. وقال قبيصة عن الثوري عن منصور عن مجاهد قال إنما سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله وتقدم أن موسى ويوشع رجعا يقصان الأثر وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر، وهو مسجى بثوب، قد جعل طرفاه من تحت رأسه وقدميه، فسلم فكشف عن وجهه فرد وقال: أني بأرضك السلام؟ من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى [نبي] (١) بني إسرائيل. قال: نعم فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه عنهما.

وقد دل سياق القصة على نبوته من وجوه.

أحدها: قوله تعالى (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من من لدنا علما) [الكهف: ٦٥].

الثاني: قول موسى له (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا. قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا. قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا) [الكهف: ٦٦ - ٧٠] فلو كان وليا وليس بنبي لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى هذا الرد، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذي اختصه الله به دونه، فلو كان غير نبي لم يكن معصوما، ولم تكن لموسى، وهو نبي عظيم ورسوله كريم، واجب العصمة، كبير رغبة ولا عظيم طلبة، في علم ولي غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه والتفتيش عليه، ولو أنه يمضي حقبا من الزمان قيل ثمانين سنة، ثم لما اجتمع به تواضع له وعظمه واتبعه في صورة مستفيد منه، دل على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خص من العلوم اللدنية، والاسرار النبوية، بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم نبي بني إسرائيل الكريم، وقد احتج بهذا المسلك بعينه الرماني (٢) على نبوة الخضر .

الثالث: أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام. وهذا دليل مستقل على نبوته. وبرهان ظاهر على عصمته لان الولي لا يجوز له الاقدام على قتل النفوس، بمجرد ما يلقي في خلده، لان خاطره ليس بواجب العصمة إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق. ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام، الذي لم يبلغ الحلم علما منه بأنه إذا بلغ يكفر.


(١) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(٢) في نسخة البلقاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>