للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجود بموجوده، سروراً بذلك، فانعكست تِلْكَ الْأَفْرَاحُ بِالْأَتْرَاحِ، وَنَسَخَ الْجِدُّ ذَلِكَ الْمِزَاحَ، وَحَصَلَتْ لِلْمَلِكِ خَوَانِيقُ فِي حَلْقِهِ مَنَعَتْهُ مِنْ النطق، وهذا شأن أوجاع الحلق، وكان قد أشير عليه بالفصد فلم يقبل، وبالمبادرة إلى المعالجة فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا.

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قُبِضَ إِلَى رَحْمَةِ الله تعالى عن ثمان وخمسين سنة، مكث منها في الملك ثمان وعشرين سنة رحمه الله، وصلّي عليه بجامع القلعة بدمشق، ثم حول إلى تربته التي أنشأها للحنفية بين باب الخواصين، وباب الخيميين على الدرب، وقبره بها يزار، ويحلق بشباكه، ويطيب ويتبرك به كل مار، فيقول قبر نُورُ الدِّينِ الشَّهِيدُ، لِمَا حَصَلَ لَهُ فِي حلقه من الخوانيق، وكذا كان يقال لابنه الشهيد ويلقب بالقسيم، وكانت الفرنج تقول له القسيم ابن القسيم.

وَقَدْ رَثَاهُ الشُّعَرَاءُ بِمَرَاثٍ كَثِيرَةٍ قَدْ أَوْرَدَهَا أبو شامة، وما أحسن ما قاله العماد: عجبت من الموت لما أتى (١) * إِلَى مَلِكٍ فِي سَجَايَا مَلَكْ وَكَيْفَ ثَوَى الفلك المستد * ير في الأرض وسط فلك وَقَالَ حَسَّانُ الشَّاعِرُ الْمُلَقَّبُ بِالْعَرْقَلَةِ فِي مَدْرَسَةِ نور الدين لما دفن بها رحمه الله تعالى: ومدرسة ستدرس كل شئ * وَتَبْقَى فِي حِمَى عِلْمٍ وَنُسْكِ

تَضَوَّعَ ذِكْرُهَا شَرْقًا وَغَرْبًا * بِنُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ زَنْكِي يَقُولُ وَقَوْلُهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ * بِغَيْرِ كِنَايَةٍ وَبِغَيْرِ شَكِّ دِمَشْقٌ فِي الْمَدَائِنِ بَيْتُ مُلْكِي * وَهَذِي في المدارس بنت (٢) ملكي صفة نُورِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ طَوِيلَ الْقَامَةِ أَسْمَرَ اللَّوْنِ حُلْوَ الْعَيْنَيْنِ وَاسِعَ الْجَبِينِ، حَسَنَ الصُّورَةِ، تُرْكِيَّ الشَّكْلِ، لَيْسَ لَهُ لِحْيَةٌ إِلَّا فِي حَنَكِهِ، مَهِيبًا مُتَوَاضِعًا عَلَيْهِ جَلَالَةُ ونور، يعظم الإسلام وقواعد الدين، ويعظم الشرع.

[فصل]

فلما مات نُورُ الدِّينِ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ مِنْ بَعْدِهِ بِالْمُلْكِ لِوَلَدِهِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ،


(١) في الروضتين ١ / ٢ / ٥٨١: كيف اهتدى.
(٢) في الروضتين: بيت.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>