للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدخل آمنا ليتمكن منه الخليفة. فلما أصبحت طلبت رجلا من الأمراء (١) وقلت له: هل لك أن تتولى مدينة كسكر فإنها مغلة في هذه السنة؟ فقال: ومن لي بذلك؟ فقلت له: فاذهب إلى أبي مسلم فتلقاه في الطريق فاطلب منه أن يوليك تلك البلد، فإن أمير المؤمنين يريد أن يوليه ما وراء بابه ويستريح لنفسه. واستأذنت المنصور له أن يذهب إلى أبي مسلم فأذن له، وقال له: سلم عليه وقل له: إنا بالأشواق إليه. فسار ذلك الرجل - وهو سلمة بن فلان - (٢) إلى أبي مسلم فأخبره باشتياق الخليفة إليه، فسره ذلك وانشرح، وإنما هو غرور ومكر به، فلما سمع أبو مسلم بذلك عجل السير إلى منيته، فلما قرب من المدائن أمر الخليفة القواد والامراء أن يتلقوه، وكان دخوله على المنصور من آخر ذلك اليوم، وقد أشار أبو أيوب على المنصور أن يؤخر قتله في ساعته هذه إلى الغد، فقبل ذلك منه. فلما دخل أبو مسلم على المنصور من العشي أظهر له الكرامة والتعظيم، ثم قال: اذهب فأرح نفسك وادخل الحمام، فإذا كان الغد فأتني. فخرج من عنده وجاءه الناس يسلمون عليه، فلما كان الغد طلب الخليفة بعض الأمراء فقال له: كيف بلائي عندك؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين لو أمرتني أن أقتل نفسي لقتلتها. قال: فكيف بك لو أمرتك بقتل أبي مسلم؟ قال: فوجم ساعة ثم قال له أبو أيوب: ما لك لا تتكلم؟ فقال قولة ضعيفة: أقتله. ثم اختار له من عيون الحرس أربعة فحرضهم على قتله، وقال لهم: كونوا من وراء الرواق فإذا صفقت بيدي فأخرجوا عليه فاقتلوه. ثم أرسل المنصور إلى أبي مسلم رسلا تترى يتبع بعضها بعضا، فأقبل (٣) أبو مسلم فدخل دار الخلافة ثم دخل على الخليفة وهو يبتسم، فلما وقف بين يديه جعل المنصور يعاتبه في الذي صنع واحدة واحدة، فيعتذر عن ذلك كله. ثم قال: يا أمير المؤمنين أرجو أن تكون نفسك قد طابت علي. فقال المنصور: أما والله ما زادني هذا إلا غيظا عليك. ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى فخرج عثمان وأصحابه فضربوه بالسيوف حتى قتلوه ولفوه في عباءة ثم أمر بإلقائه في دجلة، وكان آخر العهد به، وكان مقتله في يوم الأربعاء لأربع بقين من شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة.

وكان من جملة ما عاتبه به المنصور أن قال: كتبت إلي مرات تبدأ بنفسك، وأرسلت تخطب عمتي أمينة (٤)، وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن عباس إلى غير ذلك. فقال أبو مسلم: يا أمير المؤمنين لا يقال لي هذا وقد سعيت في أمركم بما علمه كل أحد. فقال: ويلك! لو قامت في ذلك أمة


(١) هو سلمة بن سعيد بن جابر (انظر الطبري وابن الأثير).
(٢) كذا بالأصول، انظر الحاشية السابقة.
(٣) في الاخبار الطوال ص ٣٨٠: فلما كان في اليوم الرابع … وفي مروج الذهب ٣/ ٣٥٦: ركب أبو مسلم مرارا إلى المنصور وهو لا يظهر له شيئا. وفي الإمامة والسياسة ٢/ ١٦١: فأقام أياما يأتي أبا جعفر كل يوم … وفي ابن الأعثم ٨/ ٢٢٥: فأقام كذلك ثلاثة أيام فلما كان في اليوم الرابع …
(٤) كذا في الأصول والطبري، وفي ابن الأثير ٥/ ٤٧٥ والاخبار الطوال ص ٣٨١: آمنة. وفي ابن خلكان ٣/ ١٥٤: آسية.

<<  <  ج: ص:  >  >>