للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فزعمت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله فذكرت أن لا فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه [من ملك] (١) فذكرت أن لا فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الايمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر (٢)، وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان كما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه. ثم دعا بكتاب رسول الله الذي بعث به مع دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فإذا فيه، بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الاسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (٣) (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين خرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة (٤) أنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت


(١) من البخاري.
(٢) قال المازني: هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل ليست قاطعة على النبوة إلا أنه يحتمل أنها كانت عنده علامات على هذا النبي بعينه لأنه قال بعد ذلك: قد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم. وما أورده احتمالا جزم به ابن بطال وهو ظاهر.
(٣) الأريسيين: جمع أريسي وهو منسوب إلى أريس بوزن فعيل. قال ابن سيده: الأريس: الأكار أي الفلاح عند ثعلب، وعند كراع الأريس: الأمير. قال الجوهري هي لغة شامية وأنكر ابن فارس أن تكون عربية. وقال الخطابي: أراد أن عليك أثم الضعفاء والاتباع إذا لم يسلموا تقليدا له لان الأصاغر اتباع الأكابر.
(٤) ابن أبي كبشة: أراد به النبي . لان أبا كبشة أحد أجداده وعادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض قال أبو الحسن النسابة الجرجاني هو جد وهب جد النبي لامه. (قال ابن حجر: وهذا فيه نظر لان وهب جد النبي اسم أمه عاتكة بنت الأوقص بن مرة. وقيل هو جد عبد المطلب لامه وفيه نظر لان أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرجي ولم يقل أحد من أهل النسب أن عمرو يكنى بأبي كبشة. قيل هو أبوه من الرضاعة واسمه الحرث بن عبد العزى قاله أبو الفتح الأزدي وابن ماكولا. وكانت له بنت تسمى كبشة يكنى بها وقال ابن قتيبة هو رجل من خزاعة. خالف قريش في عبادة الأوثان فعبد الشعري فنسبوه إليه، وكذا قال الزبير وقال: اسمه وجزب عامر بن غالب.

<<  <  ج: ص:  >  >>