للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كُنْتُ جَارَهُ فَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَآتِيهِ فَأَكْتُبُ الْوَحْيَ، وكنَّا إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنيا ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعام ذَكَرَهُ مَعَنَا.

فَكُلُّ هَذَا نحدِّثكم عَنْهُ (١) * وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن يزيد المقريّ به نحوه.

[كرمه عليه السلام]

تقدَّم مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاس، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيح الْمُرْسَلَةِ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَلَاغَةِ فِي تَشْبِيهِهِ الْكَرَمَ بِالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ فِي عُمُومِهَا وَتَوَاتُرِهَا وَعَدَمِ انْقِطَاعِهَا * وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا سُئل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا (٢) * وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حميد، عن موسى بن أنيس، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا عَلَى الْإِسْلَامِ إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل فَأَمَرَ لَهُ بِشَاءٍ كَثِيرٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ مِنْ شَاءِ الصَّدقة، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً مَا يَخْشَى الْفَاقَةَ (٣) .

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ النَّضْرِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حميد * وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جبلين فأتى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يعطي عطاء ما يخلف الفاقة، فإنَّ كان الرَّجل ليجئ إلى رسول الله مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنيا، فَمَا يُمْسِي حَتَّى يكون دينه أحبّ إليه وأعزّ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا * وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.

وَهَذَا الْعَطَاءُ ليؤلِّف بِهِ قُلُوبَ ضَعِيفِي الْقُلُوبِ فِي الْإِسْلَامِ، ويتألَّف آخَرِينَ لِيَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ كَمَا فَعَلَ يَوْمَ حَنِينٍ حِينَ قَسَّمَ تِلْكَ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ مِنَ الْإِبِلِ وَالشَّاءِ والذَّهب وَالْفِضَّةِ فِي المؤلفة، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ وَجُمْهُورَ الْمُهَاجِرِينَ شَيْئًا، بَلْ أَنْفَقَ فِيمَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يتألَّفه عَلَى الْإِسْلَامِ، وَتَرَكَ

أُولَئِكَ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ، وَقَالَ مُسَلِّيًا لِمَنْ سَأَلَ عَنْ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ لِمَنْ عَتَبَ مِنْ جَمَاعَةِ الْأَنْصَارِ: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاس بِالشَّاءِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ تَحُوزُونَهُ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ قَالُوا: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ * وَهَكَذَا أَعْطَى عَمَّهُ الْعَبَّاسَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ حِينَ جَاءَهُ ذَلِكَ الْمَالُ مِنِ الْبَحْرَيْنِ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ رجاء الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي فَقَدَ فَادَيْتُ نَفْسِي يَوْمَ بَدْرٍ وَفَادَيْتُ عَقِيلًا، فَقَالَ: خذ، فنزع ثوبه عنه وجعل


(١) دلائل النبُّوة للبيهقي ج ١ / ٣٢٤ والترمذي في الشمائل.
تحفة الاشراف للمزي (٣ / ٢١٣) .
(٢) أخرجه البخاري في الأدب.
ومسلم في فضائل النبي.
والترمذي في الشمائل عن بندار عن ابن مهدي.
(٣) مسند أحمد ١ / ٢٣١ ومسلم في الفضائل ص (١٨٠٣) والنسائي ٤ / ١٢٥ في باب الفضل والجود.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>