للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدنوت (١) مختفيا ألم ببيتها … حتى ولجت إلى خفي المولج

قالت: وعيش أخي ونعمة والدي (٢) … لأنبهن الحي إن لم تخرج

فتناولت رأسي لتعرف مسه … بمخضب الأطراف غير مشنج

فخرجت خيفة أهلها (٣) فتبسمت … فعلمت أن يمينها لم تحرج

فلثمت فاها آخذا بقرونها … فرشفت ريقا باردا متثلج (٤)

قال كثير عزة: لقيني جميل بثينة فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من عند هذه الحبيبة، فقال وإلى أين؟ فقلت: وإلى هذه الحبيبة - يعني عزة - أقسمت عليك لما رجعت إلى بثينة فواعدتها لي فإن لي من أول الصيف ما رأيتها، وكان آخر عهدي بها بوادي القرى، وهي تغسل هي وأمها ثوبا فتحادثنا إلى الغروب، قال كثير: فرجعت حتى أنخت بهم. فقال أبو بثينة: ما ردك يا بن أخي؟ فقلت: أبيات قلتها فرجعت لأعرضها عليك. فقال: وما هي؟ فأنشدته وبثينة تسمع من وراء الحجاب:

فقلت لها يا عز أرسل صاحبي … إليك رسولا والرسول موكل (٥)

بأن تجعلي بيني وبينك موعدا … وأن تأمريني ما الذي فيه أفعل

وآخر عهدي منك يوم لقيتني … بأسفل وادى الدوم والثوب يغسل (٦)

فلما كان الليل أقبلت بثينة إلى المكان الذي واعدته إليه، وجاء جميل وكنت معهم فما رأيت ليلة عجب منها ولا أحسن منادمات، وانفض ذلك المجلس وما أدري أيهما أفهم لما في ضمير صاحبه منه.

وذكر الزبير بن بكار عن عباس بن سهل الساعدي أنه دخل على جميل وهو يموت فقال له: ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط، ولم يزن قط، ولم يسرق ولم يقتل النفس وهو يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: أظنه قد نجا وأرجو له الجنة، فمن هذا؟ قال: أنا، فقلت الله: ما أظنك سلمت وأنت تشبب بالنساء منذ عشرين سنة، ببثينة. فقال: لا نالتني شفاعة محمد ، وإني لفي أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا إن كنت وضعت يدي عليها بريبة، قال: فما برحنا حتى


(١) في الديوان: فقعدت مرتقبا.
(٢) في الديوان: وعيش أبي وحرمة أخوتي.
(٣) في ابن خلكان: خيفة قولها، وفي الديوان: خوف يمينها.
(٤) في الديوان وابن خلكان: شرب النزيف ببرد ماء الحشرج.
(٥) في الأغاني ٨/ ١٠٧: والموكل مرسل، وفي الأمالي لأبي علي القالي ٣/ ٢٣١ دار الكتب المصرية: على نأي دار والرسول موكل.
(٦) وادي الدوم: واد معترض من شمالي خيبر إلى قبلها، وهو يفصل بين خيبر والعوارض.

<<  <  ج: ص:  >  >>