للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الماء ثم ارتفع وهو يقول (ذلك تقدير العزيز العليم) [الانعام: ٩٦] فغرق. فلما تحققت الخوارج سقوطه في الماء كبروا وانصرفوا ذاهبين متفرقين في البلاد، وجاء أمير جيش الحجاج فاستخرج شبيبا من الماء وعليه درعه، ثم أمر به فشق صدره (١) فاستخرج قلبه فإذا هو مجتمع صلب كأنه صخرة، وكانوا يضربون به الأرض فيرتفع قامة الانسان. وقيل إنه كان معه رجال قد أبغضوه لما أصاب من عشائرهم، فلما تخلف في الساقة اشتوروا وقالوا نقطع الجسر به ففعلوا ذلك فمالت السفن بالجسر ونفر فرسه فسقط في الماء فغرق، ونادوا غرق أمير المؤمنين، فعرف جيش الحجاج ذلك فجاؤوا فاستخرجوه، ولما نعي شبيب إلى أمه قالت: صدقتم إني كنت رأيت في المنام وأنا حامل به أنه قد خرج منها شهاب من نار فعلمت أن النار لا يطفئها إلا الماء، وأنه لا يطفئه إلا الماء، وكانت أمه جارية اسمها جهبرة (٢)، وكانت جميلة، وكانت من أشجع النساء، تقاتل مع ابنها في الحروب. وذكر ابن خلكان: أنها قتلت في هذه الغزوة وكذلك قتلت زوجته غزالة، وكانت أيضا شديدة البأس تقاتل قتالا شديدا يعجز عنه الابطال من الرجال، وكان الحجاج يخاف منها أشد خوف حتى قال فيه بعض الشعراء:

أسد علي (٣) وفي الحروب نعامة … فتخاء تنفر (٤) من صفير الصافر

هلا برزت (٥) إلى غزالة في الوغا … بل كان قلبك في جناحي (٦) طائر

قال: وقد كان شبيب بن يزيد بن نعيم بن قيس بن عمرو بن الصلت بن قيس بن شراحيل ابن صبرة بن ذهل بن شيبان الشيباني، يدعي الخلافة ويتسمى بأمير المؤمنين، ولولا أن الله تعالى قهره بما قهره به من الغرق لنال الخلافة إن شاء الله، ولما قدر عليه أحد، وإنما قهره الله على يدي الحجاج لما أرسل إليه عبد الملك بعسكر الشام لقتاله، ولما ألقاه جواده على الجسر في نهر دجيل (٧)


(١) كذا بالأصل والطبري ٧/ ٢٥٧ وابن الأثير ٤/ ٤٣٣ ومروج الذهب ٣/ ١٦٩ وفي ابن الأعثم ٧/ ٩٢: أمر ابن الأبرد بالغواصين فأخرجوه من الماء واحتزوا رأسه ووجه به سفيان إلى الحجاج.
(٢) في ابن الأعثم ٧/ ٨٧ وجمهرة أنساب العرب ص ٣٠٨ وتاريخ اليعقوبي ٣/ ٣٧٤: الجهيزة.
(٣) كذا بالأصل والعقد الفريد وتاريخ الاسلام ٣/ ١٦٠ وسمط النجوم ٣/ ١٥٧، وفي ابن الأعثم ٧/ ٩٠: ليث الخوان.
(٤) في العقد الفريد: ربواء تجعل. وقبل هذا البيت في العقد:
صدعت غزاله جمعه بعساكر … تركت كتائبه كأمس الدابر
(٥) في ابن الأعثم: هلا خرجت.
(٦) في العقد الفريد: مخالب، وفي ابن الأعثم: جوانح، وبعده فيه وليس في المراجع:
الق السلاح وخذ وشاح معصفر … واعمد بمنزلة الجبان الكافر
(٧) دجيل: نهر بالأهواز حفره أرد شير بن بابك أحد ملوك الفرس ومخرجه من أرض أصبهان ومصبه في بحر فارس قرب عبادان وفيه غرق شبيب الخارجي (معجم البلدان).

<<  <  ج: ص:  >  >>