للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جماعة.

وكذلك استأمن قتيبة جماعة من الملوك فأمنهم وولى على بلادهم والله سبحانه وتعالى أعلم.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فلمَّا قَرُبَ

مِنَ الْمَدِينَةِ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عبد العزيز أَشْرَافَ الْمَدِينَةِ فَتَلَقَّوْهُ فَرَحَّبَ بِهِمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ فَأُخْلِيَ لَهُ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ، فَلَمْ يَبْقَ بِهِ أَحَدٌ سِوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَتَجَاسَرْ أَحَدٌ أَنْ يُخْرِجَهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَا تُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالُوا لَهُ: تَنَحَّ عَنِ الْمَسْجِدِ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْهُ، فَدَخَلَ الْوَلِيدُ الْمَسْجِدَ فَجَعَلَ يَدُورُ فِيهِ يصلي ههنا وههنا وَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَجَعَلْتُ أَعْدِلُ بِهِ عَنْ مَوْضِعِ سَعِيدٍ خَشْيَةَ أَنْ يَرَاهُ، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ فقال: من هذا هو سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ المؤمنين، ولو علم بأنك قادم لقام إليك وسلم عليك.

فقال: قد علمت بغضه لنا، فقلت: يا أمير إنه وإنه، وشرعت أثني عليه، وشرع الْوَلِيدُ يُثْنِي عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ ضَعِيفُ الْبَصَرِ - وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَعْتَذِرَ لَهُ - فَقَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِالسَّعْيِ إِلَيْهِ، فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقُمْ لَهُ سَعِيدٌ، ثمَّ قَالَ الْوَلِيدُ: كَيْفَ الشَّيْخُ؟ فَقَالَ: بِخَيْرٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، كَيْفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ الْوَلِيدُ: بِخَيْرٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز: هذا فقيه النَّاسِ.

فَقَالَ: أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

قَالُوا: ثُمَّ خَطَبَ الْوَلِيدُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَجَلَسَ فِي الْخُطْبَةِ الأولى وانتصب في الثانية، قال وقال: هكذا خطب عثمان، ثُمَّ انْصَرَفَ فَصَرَفَ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَهَبًا كَثِيرًا وَفِضَّةً كَثِيرَةً، ثُمَّ كَسَا الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ كُسْوَةً مِنْ كُسْوَةِ الْكَعْبَةِ الَّتِي معه، وهي من ديباج غليظ.

وَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ السَّائب بْنُ يَزِيدَ بن سعد بن تمامة، وَقَدْ حَجَّ بِهِ أَبُوهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَكَانَ عُمْرُ السَّائِبِ سَبْعَ سِنِينَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَلِهَذَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِينَ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: سَنَةَ سِتٍّ وقيل ثمان وثمانين، فالله أَعْلَمُ.

سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ صَحَابِيٌّ مَدَنِيٌّ جَلِيلٌ، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وكان ممن ختمه الحجاج في عنقه هُوَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي يَدِهِ، لِيُذِلَّهُمْ كَيْلَا يَسْمَعَ النَّاسُ مِنْ رَأْيِهِمْ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: لَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ، وَقَدْ قال البخاري وغيره: توفي سنة ثمان وثمانين فالله

أعلم.

ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين فِيهَا غَزَا مَسْلَمَةُ وَابْنُ أَخِيهِ عُمَرُ بْنُ الْوَلِيدِ بِلَادَ الرُّومِ فَفَتَحَا حُصُونًا كَثِيرَةً وَغَنِمَا شَيْئًا كَثِيرًا وَهَرَبَتْ مِنْهُمُ الرُّومُ إِلَى أَقْصَى بِلَادِهِمْ، وَفِيهَا غَزَا طَارِقُ بْنُ زِيَادٍ مَوْلَى مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ بِلَادَ الْأَنْدَلُسِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>