للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن يبعث الدية إلى أهله، ففعل ذلك، وكان الزهري يقول: علي بن الحسين أعظم الناس علي منة.

وقال سفيان بن عيينة كان علي بن الحسين يقول: لا يقول رجل في رجل من الخير مالا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم، وما اصطحب اثنان على معصية إلا أوشك أن يفترقا على غير طاعة. وذكروا أنه زوج أمه من مولى له وأعتق أمة فتزوجها فأرسل إليه عبد الملك يلومه في ذلك، فكتب إليه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) [الأحزاب: ٢٢] وقد أعتق صفية فتزوجها، وزوج مولاه زيد بن حارثة من بنت عمه زينب بنت جحش. قالوا: وكان يلبس في الشتاء خميصة من خز بخمسين دينارا، فإذا جاء الصيف تصدق بها، ويلبس في الصيف الثياب المرقعة ودونها ويتلو قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) [الأعراف: ٣١].

(وقد روي من طرق ذكرها الصولي والجريري وغير واحد أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة أبيه وأخيه الوليد، فطاف بالبيت، فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن حتى نصب له منبر فاستلم وجلس عليه، وقام أهل الشام حوله، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين، فلما دنا من الحجر ليستلمه تنحى عنه الناس إجلالا له وهيبة واحتراما، وهو في بزة حسنة، وشكل مليح، فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟ فقال لا أعرفه - استنقاصا به واحتقارا لئلا يرغب فيه أهل الشام - فقال الفرزدق - وكان حاضرا - أنا أعرفه، فقالوا: ومن هو؟ فأشار الفرزدق يقول:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته … والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم … هذا التقي النقي الطاهر العلم (١)

إذا رأته قريش قال قائلها … إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت … عن نيلها عرب الاسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته … ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

يغضي حياء ويغضى من مهابته … فما يكلم إلا حين يبتسم

بكفه خيزران ريحها عبق … من كف أروع في عرنينه شمم

مشتقة من رسول الله نبعته … طابت عناصرها (٢) والخيم والشيم


(١) بعده في ابن الأعثم ٥/ ١٢٧ وليس البيت في الديوان:
هذا حسين رسول الله والده … أمست بنور هداه تهتدي الأمم
(٢) في الديوان: مغارسه، وفي المقتل لأبي مخنف: أرومته. والنبعة: شجرة صلبة الألياف تتخذ منها القسي، وكنى بها عن الأصل والأرومة. والخيم: الأصل والشرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>