للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَمَّا ضَرَبَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ حِينَ قَالَ: لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، قَدْ يَحْصُلُ فِي نُفُوسِ الْمُشَاهِدِينَ لِذَلِكَ هَضْمٌ بِجَنَابِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَتَهُ وَشَرَفَهُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي) [الأعراف: ١٤٤] أَيْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، لَا مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ أَفْضَلُ مِنْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَا مَا بَعْدَهُ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم أَفْضَلُ مِنْهُمَا، كَمَا ظَهَرَ شَرَفُهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَكَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ: " سَأَقُومُ مَقَامًا يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ " وَقَوْلُهُ تَعَالَى (فَخُذْ مَا

آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأعراف: ١٤٤] أَيْ فَخُذْ مَا أَعْطَيْتُكَ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالْكَلَامِ، وَلَا تَسْأَلْ زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كل شئ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شئ) [الأعراف: ١٤٥] وَكَانَتِ الْأَلْوَاحُ مِنْ جَوْهَرٍ نَفِيسٍ، فَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ لَهُ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ وفيها مواعظ من الْآثَامِ، وَتَفْصِيلٌ لِكُلِّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الحلال والحرام.

(فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) أَيْ بِعَزْمٍ وَنِيَّةٍ صَادِقَةٍ قَوِيَّةٍ (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يأخذوا بأحسنها) [الاعراف: ١٤٥] أي يضعوهما على أحسن وجوهها وأجمل محاملها (سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) أي ستر وعاقبة الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِي، الْمُخَالِفِينَ لِأَمْرِي، الْمُكَذِّبِينَ لِرُسُلِي.

(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ) عَنْ فَهْمِهَا وَتَدَبُّرِهَا، وَتَعْقُّلِ مَعْنَاهَا، الَّذِي أُرِيدَ مِنْهَا وَدَلَّ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهَا (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا) [الأعراف: ١٤٦] أَيْ وَلَوْ شَاهَدُوا مَهْمَا شَاهَدُوا مِنَ الْخَوَارِقِ وَالْمُعْجِزَاتِ لَا يَنْقَادُوا لِاتِّبَاعِهَا (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) أي لا يسلكوه ولا يتبعوه (وَإِنْ يرو سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) أَيْ صَرَفْنَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِتَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِنَا، وَتَغَافُلِهِمْ عَنْهَا، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ التَّصْدِيقِ بِهَا، وَالتَّفَكُّرِ فِي مَعْنَاهَا وَتَرْكِ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: ١٤٧] .

قِصَّةُ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ في غيبة [كليم الله عنهم] (١) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ.

وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العجل سينالهم


(١) في نسخة: موسى.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>