للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَدِيثَ مُخْتَصَرٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُمْ شَكَوْا إِلَيْهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ التَّعْذِيبِ بِحَرِّ الرَّمْضَاءِ، وَأَنَّهُمْ يَسْحَبُونَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ فَيَتَّقُونَ بِأَكُفِّهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ كَمَا تَقَدَّمَ

عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ، وَسَأَلُوا مِنْهُ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَوْ يَسْتَنْصِرَ عَلَيْهِمْ فَوَعَدَهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْجِزْهُ لَهُمْ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ وَأَخْبَرَهُمْ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْقَوْنَ مِنَ الْعَذَابِ مَا هُوَ أَشَدُّ ممَّا أَصَابَهُمْ وَلَا يَصْرِفُهُمْ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِمْ، وَيُبَشِّرُهُمْ أَنَّ اللَّهَ سَيُتِمُّ هَذَا الأمر ويظهره ويعلنه وَيَنْشُرُهُ وَيَنْصُرُهُ فِي الْأَقَالِيمِ وَالْآفَاقِ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكب مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ والذِّئب عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.

وَلِهَذَا قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي وُجُوهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا، أَيْ لَمْ يَدْعُ لَنَا فِي السَّاعة الرَّاهنة، فَمَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَادِ أَوْ عَلَى وُجُوبِ مُبَاشَرَةِ الْمُصَلِّي بِالْكَفِّ كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وإقامة الحجة الدامغة عليهم وَاعْتِرَافِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بِالْحَقِّ وَإِنْ أَظْهَرُوا الْمُخَالِفَةَ عِنَادًا وَحَسَدًا وَبَغْيًا وَجُحُودًا

قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَكَأَنَّهُ رقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا عَمِّ إِنَّ قَوْمَكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا، قَالَ لمَ؟ قال ليعطوكه فإنك أتيت محمداً لتعرض ما قبله، قال قد علمت قريش أني من أَكْثَرُهَا مَالًا، قَالَ فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قومك أنك منكر له [أو أنك كاره له] .

قال وماذا أقول؟ فوالله مامنكم رجل أعرف بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمُ بِرَجَزِهِ، وَلَا بِقَصِيدِهِ مِنِّي، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُهُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُوَ وَلَا يُعْلَى، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ.

قَالَ لَا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ، قال قف عني حتى أفكر فيه، فلما فكر.

قال: إِنْ هَذَا إِلَّا سحر يؤثر بأثره عَنْ غَيْرِهِ فَنَزَلَتْ: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُودًا) [المدثر: ١١ - ١٣] الآيات هكذا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ [بْنِ عَلِيٍّ] الصَّنْعَانِيِّ بِمَكَّةَ عَنْ إِسْحَاقَ بِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ مرسلاً (١) .

فيه أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ


(١) أخرجه البيهقي في الدلائل ٢ / ١٩٨، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٥٠٦ وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>