للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْعَظَائِمِ، وَقَدْ كَانَ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ قَدْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ مِنَ الْقَاذُورَاتِ وَالْفَوَاحِشِ، وَكَانَ يَنْصِبُ الْعَدَاوَةَ لِلشَّيْخِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَيُنَاظِرُهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَحَافِلِ وَالْمَجَالِسِ، وَكَانَ يَعْتَرِفُ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بِالْعُلُومِ الْبَاهِرَةِ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُجَاحِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ وَنَاحِيَتِهِ وَهَوَاهُ، وَيُنَافِحُ عَنْ طَائِفَتِهِ.

وَقَدْ كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ يُثْنِي عَلَيْهِ وَعَلَى عُلُومِهِ وَفَضَائِلِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ إِذَا قِيلَ لَهُ عَنْ أَفْعَالِهِ وَأَعْمَالِهِ الْقَبِيحَةِ، وَكَانَ يَقُولُ: كَانَ مُخَلِّطًا عَلَى نَفْسِهِ مُتَّبِعًا مُرَادَ الشَّيْطَانِ مِنْهُ، يَمِيلُ إِلَى الشَّهْوَةِ وَالْمُحَاضَرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ كَمَا يَقُولُ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ يَحْسُدُهُ وَيَتَكَلَّمُ فِيهِ هَذَا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ.

وقد درّس بعدة مدارس بمصر والشام، ودرس بِدِمَشْقَ بِالشَّامِيَّتَيْنِ وَالْعَذْرَاوِيَّةِ وَدَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ وَوَلِيَ في وقت الخطابة أيام يَسِيرَةً كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَامَ الْخَلْقُ عَلَيْهِ وَأَخْرَجُوهَا مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يَرْقَ مِنْبَرَهَا، ثُمَّ خَالَطَ نَائِبَ السَّلْطَنَةِ الْأَفْرَمَ فَجَرَتْ لَهُ أُمُورٌ لا يمكن ذكرها ولا يحسبن من القبائح ثُمَّ آلَ بِهِ الْحَالُ عَلَى أَنْ عَزَمَ على الانتقال من دمشق إلى حلب لاستحوازه عَلَى قَلْبِ نَائِبِهَا، فَأَقَامَ بِهَا وَدَرَّسَ، ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي الرُّسْلِيَّةِ بَيْنَ السُّلْطَانِ وَمُهَنَّا صُحْبَةَ أَرْغُوَنَ وَأَلْطُنْبُغَا، ثُمَّ اسْتَقَرَّ بِهِ الْمَنْزِلُ بِمِصْرَ وَدَرَّسَ فِيهَا بِمَشْهَدِ الْحُسَيْنِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِهَا بُكْرَةَ نَهَارِ الْأَرْبِعَاءِ رَابِعِ عِشْرِينَ ذِي الْحِجَّةِ (١) (*) بِدَارِهِ قَرِيبًا مِنْ جَامِعِ الْحَاكِمِ، وَدُفِنَ مِنْ يَوْمِهِ قَرِيبًا مِنَ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي جمرة بِتُرْبَةِ الْقَاضِي نَاظِرِ الْجَيْشِ بِالْقَرَافَةِ، وَلَمَّا بَلَغَتْ وَفَاتُهُ دِمَشْقَ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِهَا صَلَاةَ الْغَائِبِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ ثَالِثِ الْمُحَرَّمِ مِنَ السَّنَةِ الْآتِيَةِ، وَرَثَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ غَانِمٍ عَلَاءُ الدِّينِ، والقجقازي وَالصَّفَدِيُّ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ عُشَرَائِهِ.

وَفِي يَوْمِ عرفة توفي: الشيخ عماد الدين إسماعيل الْفُوعِيُّ وَكِيلُ قِجْلِيسَ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى لَهُ الْبَاشُورَةَ عَلَى بَابِ الصَّغِيرِ بِالْبَرَّانِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَكَانَتْ فِيهِ نَهْضَةٌ وَكِفَايَةٌ، وَكَانَ مِنْ بَيْتِ الرَّفْضِ، اتَّفَقَ أَنَّهُ اسْتَحْضَرَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فَضَرَبَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَامَ النَّائِبُ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِالْمَهَامِيزِ فِي وَجْهِهِ فَرُفِعَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَهُوَ تَالِفٌ فَمَاتَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَدُفِنَ مِنْ يَوْمِهِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ وَلَهُ دَارٌ ظَاهِرَ بَابِ الْفَرَادِيسِ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ اسْتَهَلَّتْ وَالْحُكَّامُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.

وَفِي صَفَرٍ شُرِعَ فِي عِمَارَةِ الْجَامِعِ الذي أنشأه ملك الأمراء تَنْكِزُ نَائِبُ الشَّامِ ظَاهِرَ بَابِ النَّصْرِ تُجَاهَ حكر السماق، على نهر بانياس بدمشق،


(١) في تذكرة النبيه ٢ / ٧٧: توفي في شوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>