للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وصف لكم " وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وعبدة بْنِ حُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.

وَالْأَحَادِيثُ فِي ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا * وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ.

فَصْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاس فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَأَكْثَرُ مَا تُوجَدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْخِلَافُ فِيهَا مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَأَقْدَمُ كَلَامٍ رَأَيْتُهُ في هذه المسألة ما ذكره الْحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ فِي تَرْجَمَةِ أميَّة بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ حَضَرَ مَجْلِسًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ فَقَالَ عُمَرُ مَا أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ كِرِيمِ بَنِي آدَمَ.

وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنْ الَّذِينَ آمنوا وعلموا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة: ٧] وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أميَّة بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ مَا أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ مَلَائِكَتِهِ هُمْ خَدَمَةُ دَارَيْهِ وَرُسُلُهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ.

وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف: ٢٠] فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا أَبَا حَمْزَةَ * فَقَالَ قَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ آدَمَ فَخَلَقَهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَهُ الْمَلَائِكَةَ وَجَعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ وَمَنْ يَزُورُهُ الْمَلَائِكَةُ * فَوَافَقَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْحُكْمِ وَاسْتَدَلَّ بِغَيْرِ دَلِيلِهِ * وَأَضْعَفَ دَلَالَةَ مَا صَرَّحَ بِهِ مِنَ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) مَضْمُونُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَاصَّةٍ بِالْبَشَرِ * فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَصَفَ الْمَلَائِكَةَ بِالْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِ

(وَيُؤْمِنُوْنَ بِهِ) وَكَذَلِكَ الْجَانُّ (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ) [الجن: ١٣] (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) قُلْتُ وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا وَهُوَ أَصَحُّ، قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا رَبَّنَا اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ نَأْكُلُ مِنْهَا وَنَشْرَبُ فَإِنَّكَ خَلَقْتَ الدُّنْيَا لِبَنِي آدَمَ فَقَالَ اللَّهُ، لَنْ أَجْعَلَ صَالِحَ ذَرِّيَّةِ مَنْ خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان.

باب خَلْقِ الْجَانِّ وَقِصَّةِ الشَّيْطَانِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ فَبِأَيِ آلَاءِ رَبِّكُمَا تكذبان) [الرحمن: ١٤] وَقَالَ تَعَالَى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ.

وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نار السموم) [الْحِجْرِ: ٢٦ - ٢٧] وَقَالَ ابْنُ عبَّاس وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ (مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) قَالُوا مِنْ طَرَفِ اللَّهَبِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ خَالِصِهِ وَأَحْسَنِهِ * وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ من نور وخلق الجان مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ رواه

<<  <  ج: ص:  >  >>