للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مجلس وعظه الملوك والوزراء والعلماء والأمراء والفقراء والعامة، وَكَانَتْ لَهُ عِبَادَاتٌ وَأَوْرَادٌ، وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُ وبين الكرامية في أوقات وكان يبغضهم ويبغضونه ويبالغون في الحط عليه، ويبالغ هو أيضاً في ذمهم.

وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ مَعَ غَزَارَةِ عِلْمِهِ فِي فَنِّ الْكَلَامِ يَقُولُ: مَنْ لَزِمَ مَذْهَبَ الْعَجَائِزِ كَانَ هُوَ الْفَائِزَ، وَقَدْ ذَكَرْتُ وَصِيَّتَهُ (١) عِنْدَ مَوْتِهِ وَأَنَّهُ رجع عن مذهب الكلام فِيهَا إِلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ وَتَسْلِيمِ مَا وَرَدَ على وجه المراد اللائق بجلال الله سبحانه.

وَقَالَ

الشَّيخ شِهَابُ الدِّين أَبُو شَامَةَ فِي الذَّيْلِ فِي تَرْجَمَتِهِ: كَانَ يَعِظُ وَيَنَالُ مِنَ الكرامية وينالون منه سباً وتكفيراً بالكبائر، وقيل إنهم وضعوا عليه من سقاه سماً فمات ففرحوا بموته، وكانوا يرمونه بالمعاصي مع المماليك وغيرهم، قَالَ: وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَلَا كلام في فضله ولا فيما كان يتعاطاه، وقد كان يصحب السلطان ويحب الدنيا ويتسع فيها اتساعا زائداً، وليس ذلك من صفة العلماء، ولهذا وأمثاله كثرت الشناعات عليه، وقامت عليه شناعات عظيمة بسبب كلمات كان يقولها مثل قوله: قال محمد البادي، يَعْنِي الْعَرَبِيَّ يُرِيدُ بِهِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلم، نسبة إلى البادية.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ الرَّازِيُّ يَعْنِي نَفْسَهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُقَرِّرُ الشُّبْهَةَ مِنْ جِهَةِ الْخُصُومِ بِعِبَارَاتٍ كثيرة ويجيب عن ذلك بأدنى إشارة وغير ذلك، قَالَ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ الْعَيْنِ مائتي أَلْفَ دِينَارٍ غَيْرَ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ وَالْآلَاتِ، وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَكَانَ ابنه الأكبر قد تجند وَخَدَمَ السُّلْطَانَ مُحَمَّدَ بْنَ تِكِشَ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْكَامِلِ: وَفِيهَا تُوُفِّيَ فَخْرُ الدِّينِ الرازي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَطِيبِ الرَّيِّ الْفَقِيهُ الشافعي صاحب التصانيف المشهورة والفقه والأصول (٢) ، كان إمام الدنيا في عصره، بلغني أَنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ (٣) وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: إِلَيْكَ إِلَهَ الْخَلْقِ وَجْهِي وَوِجْهَتِي * وأنت الذي أدعوه فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ وَأَنْتَ غِيَاثِي عِنْدَ كُلِّ ملمة * وأنت ملاذي في حياتي وفي قبري ذكره ابْنُ السَّاعِي عَنْ يَاقُوتٍ الْحَمَوِيِّ عَنِ ابْنٍ لفخر الدين عنه وبه قال: تَتِمَّةُ أَبْوَابِ السَّعَادَةِ لِلْخَلْقِ * بِذِكْرِ جَلَالِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الْحَقِّ مُدَبِّرِ كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ بِأَسْرِهَا * وَمُبْدِعِهَا بِالْعَدْلِ وَالْقَصْدِ وَالصِّدْقِ أُجِلُّ جَلَالَ اللَّهِ عَنْ شِبْهِ خَلْقِهِ * وَأَنْصُرُ هَذَا الدِّينَ فِي الْغَرْبِ والشرق إله عظيم الفضل والعدل والعلى * هُوَ الْمُرْشِدُ الْمُغْوِي هُوَ الْمُسْعِدُ الْمُشْقِي وَمِمَّا كان ينشده:


(١) نسخة وصيته في الوافي بالوفيات ٤ / ٢٥٠.
(٢) في ابن الأثير: في الفقه والأصول وغيرهما.
(٣) في الوافي: أربع.
وانظر وفيات الاعيان ٤ / ٢٥٢.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>