للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (١) يحذر ما صنعوا وهكذا رواه في غير موضع ومسلم من طرق عن الزهري به.

حديث اخر

قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان، قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد أن النبي قال: " لنتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه (٢)، فقلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال النبي : " فمن؟ " وهكذا رواه مسلم من حديث زيد بن أسلم به.

والمقصود من هذا الاخبار عما يقع من الأقوال والافعال المنهى عنها شرعا، مما يشابه أهل الكتاب قبلنا أن الله ورسوله ينهيان عن مشابهتهم في أقوالهم وأفعالهم، حتى ولو كان قصد المؤمن خيرا لكنه تشبه ففعله في الظاهر فعلهم، وكما نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لئلا تشابه المشركين الذين يسجدون للشمس حينئذ، وإن كان المؤمن لا يخطر بباله شئ من ذلك بالكلية وهكذا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم) [البقرة: ١٠٤]. فكان الكفار يقولون للنبي في كلامهم معه: راعنا أي انظر إلينا ببصرك، واسمع كلامنا، ويقصدون بقولهم راعنا من الرعونة فنهى المؤمنين أن يقولوا ذلك، وإن كان لا يخطر ببال أحد منهم هذا أبدا. فقد روى الإمام أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن عمر عن النبي أنه قال: " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم فليس للمسلم أن يتشبه بهم لا في أعيادهم ولا مواسمهم ولا في عباداتهم " (٣). لان الله تعالى شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي شرع له الدين العظيم القويم الشامل الكامل الذي لو كان موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة وعيسى بن مريم الذي أنزل عليه الإنجيل حيين لم يكن لهما شرع متبع بل لو كانا موجودين بل وكل الأنبياء لما ساغ لواحد منهم أن يكون على غير هذه الشريعة المطهرة المشرفة المكرمة المعظمة فإذا كان الله تعالى قد من علينا بأن جعلنا من أتباع محمد فكيف يليق بنا أن نتشبه بقوم قد ضلوا من قبل، وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل قد بدلوا دينهم وحرفوه وأولوه حتى صار كأنه غير ما شرع لهم أولا. ثم هو


(١) صحيح البخاري: أنبياء (٥) ; صلاة (٥٥) مغازي ٨٣. ومسلم في صحيحه: كتاب المساجد: ٢٢ والنسائي مساجد ١٣ والدارمي في سننه: صلاة (١٢٠) وأحمد في مسنده ٦/ ٢٢٩، ٢٧٥.
(٢) صحيح البخاري أنبياء (٥٠)، اعتصام (١٤) ومسلم في كتاب العلم/ ٦; وابن ماجة في سننه في كتاب الفتن ١٧ وأحمد في مسنده ج ٢/ ٣٢٥.
(٣) مسند أحمد ج ٢/ ٥٠، ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>