للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنكم لستم في دين ولا عز ولا دنيا، ثم لما أمسوا انضاف إليه جماعة من أهل الكوفة، وقد قتل بعض أصحابه في أول يوم، فلما كان اليوم الثاني اقتتل هو وطائفة من أهل الشام فقتل منهم سبعين رجلا، وانصرفوا عنه بشر حال، وأمسوا فعبأ يوسف بن عمر جيشه جدا، ثم أصبحوا فالتقوا مع زيد فكشفهم حتى أخرجهم إلى السبخة، ثم شد عليهم حتى أخرجهم إلى بني سليم، ثم تبعهم في خيله ورجله حتى أخذوا على الساه (١)، ثم اقتتلوا هناك قتالا شديدا جدا، حتى كان جنح الليل رمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى، فوصل إلى دماغه، فرجع ورجع أصحابه، ولا يظن أهل الشام أنهم رجعوا إلا لأجل المساء والليل، وأدخل زيد في دار في سكة البريد، وجئ بطبيب فانتزع ذلك السهم من جبهته، فما عدا أن انتزعه حتى مات من ساعته .

فاختلف أصحابه أين يدفنونه، فقال بعضهم: ألبسوه درعه وألقوه في الماء، وقال بعضهم: احتزوا رأسه واتركوا جثته في القتلى، فقال ابنه: لا والله لا تأكل أبي الكلاب. وقال بعضهم: ادفنوه في العباسية، وقال بعضهم: ادفنوه في الحفرة التي يؤخذ منها الطين (٢)، ففعلوا ذلك وأجروا على قبره الماء لئلا يعرف، وانفتل أصحابه حيث لم يبق لهم رأس يقاتلون به، فما أصبح الفجر ولهم قائمة ينهضون بها، وتتبع يوسف بن عمر الجرحى هل يجد زيدا بينهم، وجاء مولى لزيد سندي قد شهد دفنه فدل على قبره فأخذ من قبره، فأمر يوسف بن عمر بصلبه على خشبة بالكناسة، ومعه نضر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، وزياد النهدي، ويقال إن زيدا مكث مصلوبا أربع سنين، ثم أنزل بعد ذلك وأحرق فالله أعلم. وقد ذكر أبو جعفر بن جرير الطبري: أن يوسف بن عمر لم يعلم بشئ من ذلك حتى كتب له هشام بن عبد الملك: إنك لغافل، وإن زيد بن علي غارز ذنبه بالكوفة يبايع له، فألح في طلبه واعطه الأمان، وإن لم يقبل فقاتله، فتطلبه يوسف حتى كان من أمره ما تقدم، فلما ظهر على قبره حز رأسه وبعثه إلى هشام، وقام من بعده الوليد بن يزيد فأمر به فأنزل وحرق في أيامه قبح الله الوليد بن يزيد. فأما ابنه يحيى بن زيد بن علي فاستجار بعبد الملك بن بشر بن مروان، فبعث إليه يوسف بن عمر يتهدده حتى يحضره، فقال له عبد الملك بن بشر: ما كنت لآوي مثل هذا الرجل وهو عدونا وابن عدونا. فصدقه يوسف بن عمر في ذلك، ولما هدأ الطلب عنه سيره إلى خراسان فخرج يحيى بن زيد في جماعة من الزيدية إلى خراسان فأقاموا بها هذه المدة.

قال أبو مخنف: ولما قتل زيد خطب يوسف بن عمر أهل الكوفة فتهددهم وتوعدهم وشتمهم


(١) في الطبري ٨/ ٢٧٥: المسناة.
(٢) في ابن الأعثم ٨/ ١٢٢: دفن في السبخة. وفي مروج الذهب ٣/ ٢٥١: دفن في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش وأجري الماء على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>