للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمور ثَلَاثَةٌ، أَمْرٌ تَبَيَّنَ رُشْدُهُ فَاتَّبِعُوهُ، وَأَمْرٌ تَبَيَّنَ غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ ".

وهذه الألفاظ لا تحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السياق إلا من حديث محمد بن كعب عن ابن عباس، وقد روى أول الحديث إلى ذكر عيسى من طريقه، وسيأتي أنَّ هذا الحديث تفرد به الطبراني بطوله وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ أَبُو نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ الْعَبْدِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَرَاجِمَهُمْ فِي كِتَابِنَا التَّكْمِيلِ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَمِائَةٍ

فَفِيهَا عَزَلَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَسَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ عَنْ إِمْرَةِ خُرَاسَانَ (١) وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْدَمَ إِلَى الْحَجِّ (٢) فَأَقْبَلَ مِنْهَا فِي رَمَضَانَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى خُرَاسَانَ الْحَكَمَ بْنَ عَوَانَةَ الْكَلْبِيَّ، وَاسْتَنَابَ هِشَامٌ عَلَى خُرَاسَانَ أَشْرَسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَاتِبَ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ، وَكَانَ أَشْرَسُ فَاضِلًا خَيِّرًا، وَكَانَ سمي الْكَامِلَ لِذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الْمُرَابِطَةَ بخراسان، واستعمل

المرابطة عبد الملك بن زياد (٣) الْبَاهِلِيَّ، وَتَوَلَّى هُوَ الْأُمُورَ بِنَفْسِهِ كَبِيرَهَا وَصَغِيرَهَا، ففرح بها أَهْلُهَا.

وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامٍ أمير الحرمين.

سَنَةُ عَشْرٍ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية

فِيهَا قَاتَلَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَلِكَ التُّرْكِ الأعظم خاقان، فزحف إلى مسلمة فِي جُمُوعٍ عَظِيمَةٍ فَتَوَاقَفُوا نَحْوًا مِنْ شَهْرٍ، ثمَّ هزم الله خاقان زَمَنِ الشِّتَاءِ، وَرَجَعَ مَسْلَمَةُ سَالِمًا غَانِمًا، فَسَلَكَ عَلَى مَسْلَكِ ذِي الْقَرْنَيْنِ فِي رُجُوعِهِ إِلَى الشام، وتسمى هذه الغزاة غُزَاةُ الطِّينِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَلَكُوا عَلَى مَغَارِقَ وَمَوَاضِعَ غَرَقٍ فِيهَا دَوَابُّ كَثِيرَةٌ، وَتَوَحَّلَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَمَا نَجَوْا حَتَّى قَاسَوْا شَدَائِدَ وأهوالاً صعاباً وشدائد عِظَامًا، وَفِيهَا دَعَا أَشْرَسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ نَائِبُ خُرَاسَانَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِسَمَرْقَنْدَ وَمَنْ وراء النهر إلى الدُّخول في الإسلام، ويضع عنهم الجزية فأجابوه إلى ذلك، وأسلم غَالِبُهُمْ، ثُمَّ طَالَبَهُمْ بِالْجِزْيَةِ فَنَصَبُوا لَهُ الْحَرْبَ وَقَاتَلُوهُ، ثُمَّ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرْكِ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ، أَطَالَ ابْنُ جَرِيرٍ بَسْطَهَا وَشَرْحَهَا فَوْقَ الحاجة (٤) .

وفيها أرسل أمير المؤمنين هشام بن عُبَيْدَةَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ مُتَوَلِّيًا عَلَيْهَا، فَلَمَّا وَصَلَ جَهَّزَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ فِي جَيْشٍ فَالْتَقَوْا مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَأَسَرُوا بِطْرِيقَهُمْ وَانْهَزَمَ بِاقِيهِمْ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا.

وفيها افتتح مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ حِصْنَيْنِ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ،


(١) في سبب عزله أن أسدا بالغ في العصبية فأفسد الناس بها، وضرب نصر بن سيار ونفرا معه بالسياط وحلقهم وسيرهم إلى أخيه خالد.
وخطب الناس في بلخ يوما فقال: قبح الله هذه الوجوه وجوه أهل الشقاق والنفاق والشغب والفساد.
(الطبري ٨ / ١٩٣ - ابن الأثير ٥ / ١٤٢ - ١٤٣) .
(٢) في الطبري: استأذن خالد لاخيه فأذن له.
(٣) في الطبري ٨ / ١٩٥: دثار (انظر بن الاثير ٥ / ١٥٠) .
(٤) انظر الطبري ٨ / ١٩٦ وما بعدها وابن الاثري ٥ / ١٥١.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>