للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا وَقَعَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ فِي حَيَاةِ إسرائيل فمن ذلك قصة يوسف (١) بن راحيل وقد أنزل الله عزوجل فِي شَأْنِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لِيُتَدَبَّرَ مَا فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْآدَابِ وَالْأَمْرِ الْحَكِيمِ.

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [يوسف: ١ - ٣] قَدْ تكلَّمنا عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَّلِ تفسير سورة البقرة فمن أراد تحقيقه فلينظره ثَمَّ * وَتَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ مُسْتَقْصًى فِي موضعها من التفسير ونحن نذكر ههنا نُبَذًا مِمَّا هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ وَالنَّجَازِ.

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ تَعَالَى يَمْدَحُ كِتَابَهُ الْعَظِيمَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ الْكَرِيمِ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فَصِيحٍ بَيِّنٍ وَاضِحٍ جَلِيٍّ يَفْهَمُهُ كُلُّ عَاقِلٍ ذَكِيٍّ زَكِيٍّ فَهُوَ أَشْرَفُ كِتَابٍ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، أَنْزَلَهُ أَشْرَفُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى أَشْرَفِ الْخَلْقِ فِي أَشْرَفِ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.

بِأَفْصَحِ لُغَةٍ وَأَظْهَرِ بَيَانٍ.

فَإِنْ كَانَ السِّيَاقُ فِي الْأَخْبَارِ الْمَاضِيَةِ أَوِ الْآتِيَةِ ذَكَرَ أَحْسَنَهَا وَأَبْيَنَهَا وَأَظْهَرَ الْحَقَّ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ وَدَمَغَ الْبَاطِلَ وَزَيَّفَهُ وَرَدَّهُ.

وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَأَعْدَلُ الشَّرَائِعِ وَأَوْضَحُ الْمَنَاهِجِ وَأَبْيَنُ

حُكْمًا (٢) وَأَعْدَلُ حَكَمًا.

فَهُوَ كَمَا قَالَ تعالى (وَتَمَّتْ كلمات رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) [الأنعام: ١١٥] .

يَعْنِي صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ، عَدْلًا فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [يوسف: ٣] أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الامور) [الشورى: ٥٢ - ٥٣] .

وَقَالَ تَعَالَى (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ.

وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً.

مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً.

خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً) [طه: ٩٩ - ١٠١] يَعْنِي مَنْ أَعْرَضَ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ وَاتَّبَعَ غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ فَإِنَّهُ يَنَالُهُ هَذَا الْوَعِيدُ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وموقوفا


(١) ذكر اسم يوسف في ٢٦ آية من الكتاب الكريم: ٢٤ آية في سورة يوسف وآية في الانعام (٨٤) وآية في غافر (٣٤) وقد ذكرت قصته مطولة في سورة يوسف.
وقال النسفي في سبب نزول هذه السورة: ان كفار مكة لقي بعضهم اليهود وتباحثوا في ذكر محمد صلى الله عليه وسلم فقال لهم اليهود: سلوه لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر؟ وعن قصة يوسف.
فنزلت.
(٢) وفي نسخة: حكمة.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>