﵇ في دار بني النجار واختيار الله له ذلك منقبة عظيمة وقد كان في المدينة دور كثيرة تبلغ تسعا كل دار محلة مستقلة بمساكنها ونخيلها وزروعها وأهلها، كل قبيلة من قبائلهم قد اجتمعوا في محلتهم وهي كالقرى المتلاصقة، فاختار الله لرسول الله ﷺ دار بني مالك بن النجار.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة: سمعت قتادة، عن أنس بن مالك. قال: قال رسول الله ﷺ: " خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير " فقال سعد بن عبادة: ما أرى النبي ﷺ إلا قد فضل علينا فقيل قد فضلكم على كثير: هذا لفظ البخاري. وكذلك رواه البخاري ومسلم من حديث أنس وأبي سلمة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة، ومن حديث عبادة بن سهل عن أبي حميد عن النبي ﷺ بمثله سواء. زاد في حديث أبي حميد، فقال أبو أسيد لسعد بن عبادة: ألم تر أن النبي ﷺ خير الأنصار فجعلنا آخرا، فأدرك سعد النبي ﷺ فقال: يا رسول الله خيرت دور الأنصار فجعلتنا آخرا؟ قال:" أوليس بحسبكم أن تكونوا من الأخيار " قد ثبت لجميع من أسلم من أهل المدينة وهم الأنصار الشرف والرفعة في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى:(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)[التوبة: ١٠٠] وقال تعالى: (والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)[الحشر: ٩] وقال رسول الله ﷺ: " لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، الأنصار شعار والناس دثار " وقال: " الأنصار كرشي وعيبتي " وقال: " أنا سلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم " وقال البخاري حدثنا حجاج بن منهال ثنا شعبة حدثني عدي بن ثابت قال سمعت البراء بن عازب يقول سمعت رسول الله ﷺ أو قال: قال رسول الله ﷺ: " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق. فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله " وقد أخرجه بقية الجماعة إلا أبا داود من حديث شعبة به. وقال البخاري أيضا حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا شعبة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبير عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال:" آية الايمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار " ورواه البخاري أيضا عن أبي الوليد [و] الطيالسي ومسلم من حديث خالد بن الحارث وعبد الرحمن بن مهدي أربعتهم عن شعبة به. والآيات والأحاديث في فضائل الأنصار كثيرة جدا. وما أحسن ما قال أبو قيس صرمة بن أبي أنس المتقدم ذكره أحد شعراء الأنصار في قدوم رسول الله ﷺ إليهم ونصرهم إياه ومواساتهم له ولأصحابه ﵃ أجمعين.
قال ابن إسحاق: وقال أبو قيس صرمة بن أبي أنس أيضا يذكر ما أكرمهم الله به من الاسلام وما خصهم به من رسوله ﵇: