للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روى البيهقي عن الحاكم بسنده: أن عبد الله بن المبارك سئل عن أبي مسلم أهو خير أم الحجاج؟ فقال: لا أقول إن أبا مسلم كان خيرا من أحد، ولكن كان الحجاج شرا منه، قد اتهمه بعضهم على الاسلام، ورموه بالزندقة، ولم أر فيما ذكروه عن أبي مسلم ما يدل على ذلك، بل على أنه كان ممن يخاف الله من ذنوبه، وقد ادعى التوبة فيما كان منه من سفك الدماء في إقامة الدولة العباسية والله أعلم بأمره.

وقد روى الخطيب عنه أنه قال: ارتديت الصبر، وآثرت الكفاف، وحالفت الأحزان والأشجان، وشامخت المقادير والاحكام، حتى بلغت غاية همتي، وأدركت نهاية بغيتي. ثم أنشأ يقول:

قد نلت بالعزم (١) والكتمان ما عجزت … عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا

ما زلت أضربهم بالسيف فانتبهوا … من رقدة (٢) لم ينمها قبلهم أحد

وطفت أسعى عليهم في ديارهم … والقوم في ملكهم (٣) في الشام قد رقدوا

ومن رعى غنما في أرض مسبعة … ونام عنها تولى رعيها الأسد

وقد كان قتل أبي مسلم بالمدائن يوم الأربعاء لسبع خلون، وقيل لخمس بقين، وقيل لأربع، وقيل لليلتين بقيتا من شعبان من هذه السنة - أعني سنة سبع وثلاثين ومائة - قال بعضهم: كان ابتداء ظهوره في رمضان من سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل في شعبان سنة سبع وعشرين ومائة. وزعم بعضهم أنه قتل ببغداد في سنة أربعين، وهذا غلط من قائله، فإن بغداد لم تكن بنيت بعد كما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، ورد هذا القول.

ثم إن المنصور شرع في تأليف أصحاب أبي مسلم بالأعطية والرغبة والرهبة والولايات، واستدعى أبا إسحاق - وكان من أعز أصحاب أبي مسلم - وكان على شرطة أبي مسلم، وهم بضرب عنقه فقال: يا أمير المؤمنين والله ما أمنت قط إلا في هذا اليوم، وما من يوم كنت أدخل عليه (٤) إلا تحنطت ولبست كفني. ثم كشف عن ثيابه التي تلي جسده فإذا هو محنط وعليه أدراع أكفان، فرق له المنصور وأطلقه.

وذكر ابن جرير أن أبا مسلم قتل في حروبه وما كان يتعاطاه لأجل دولة بني العباس ستمائة ألف


(١) في وفيات الأعيان ٣/ ١٥٢: أدركت بالحزم. وفي ابن الأثير ٥/ ٤٨٠: قد نلت بالحزم.
(٢) في الوفيات:
حتى ضربتهم ................. … من نومه .................................
(٣) في الوفيات:
ما زلت أسعى بجهدي في دمارهم … والقوم في غفلة ....
(٤) في الأصل عليك تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>